"أحنا موافقين"
بقلم الدكتورة ميرفت سرحان
عندما كانت جدتي -رحمها الله- تأتي لزيارتنا .. كانت واحدة من الأنشطة التي نقوم بها معًا، مشاهدة أحد المسلسلات الإجتماعية .. كانت جدتي تندمج مع أحداث المسلسل وكأنه قصة واقعية .. فلا زلت أذكر ردة فعلها اتجاه مشاهد المسلسل .. فقد كانت تصرخ بأعلى صوتها عندما يمر مشهد لرجل يصفع زوجته على سبيل المثال، وتقول: "يي يي يكسر ايده" .. ثم إذا مر مشهد لرجل يسيء فيه أو يمكر بأخيه، تبدأ بالبكاء، وتطلب منا إغلاق التلفاز .. وعندما كنا نقول لها: "هذا مسلسل يا ستي، مش حقيقي" .. كانت تشيح بوجهها عنا .. وتفشل كل محاولاتنا لإقناعها أنها مجرد قصص وحكايا ترفيهية تنتجها بعض وسائل الإعلام، وتبثها وسائل أخرى لتسلية الناس .. وأنها لا تمت للواقع بصلة ..
منذ نشأة الإعلام ووسائله، وحاله كحال كل الأشياء وكافة المجالات في الحياة .. منه الحيادي والنزيه، ومنه التابع لجهة ما .. أو داعم لأخرى .. ومنه من أخذ على عاتقه بث أفكار أو ترويج لمبادئ .. ومنه ما ينشر التفاهة، ويدعو للرذيلة .. ومنه ومنه .. وعلى امتداد تلك المجالات، وعلى وسع هذه التناقضات .. إلا أنه يشترك في صفة تكاد لا تخرج عن أي نوع من أنواعه؛ سواء الإعلام السياسي أو الإقتصاي أو الإجتماعي، وحتى الترفيهي .. وغيرها .. وهذه الصفة هي إخفاء الكثير من الحقائق، والكذب في سرد بعض الأنباء .. وبغض النظر عن سبب لجوئها لذلك .. إلا أن وسائل الإعلام تبدع في كيفية إخفاء الحقائق .. وتتفنن في اختلاق الأكاذيب .. وبكثرة ..
مؤخرا أصبحت وسائل الإعلام تضج بأخبار لم نعتد على سماعها في السابق .. فصرنا نصحو على وقع أنباء عن ابن قتل أبيه .. أو فتاة جزت عنق أمها .. أو رجل طعن أخاه .. وذلك أطلق النار على شقيقته .. وآخر هتك عرض طفل من محارمه .. و.. و.. وغيرها ..
في كل مرة أستمع فيها لهذه الأنباء، أتذكر جدتي .. لم تكن تستوعب -رحمها الله- أنه بإمكان أي شخص أن يعتدي على احد محارمه أو أقاربه .. حتى لو كان ذلك من باب الدراما أو التمثيل ..
إن كانت جدتي، امرأة تمثل الزمن الغابر أو القديم، وحتى إن كانت جدتي امرأة رجعية، لا تنتمي إلى التقدم العلمي .. والازدهار الحضاري .. والتطور التكنولوجي .. والحداثة والرقي والتمدن .. فيا حسرة على الزمن القديم .. ويا حسرة على الأيام الغابرة .. أيا ليت تلك الأيام تعود .. تلك الأيام التي كان يستهجن فيها أن يعتدي أحدهم على أهل بيته أو أن يؤذيه ..
ورسالتي إلى وسائل الإعلام: نحن نعلم أن الجريمة موجودة منذ الأزل، ولا ننكر حدوثها .. ولكن تكرار عرض أنبائها على مسامعنا جعل منها أمرًا طبيعيًا ..فبعد أن كنا نكذب حدوثها، صرنا نستهجن، ونستنكر، ونحزن .. حتى اعتدنا وجودها ..
لذلك .. رأفة بالجيل الجديد .. أرجوكم استخدموا أحد حيل الإعلام، واخفوا عنهم هذه الأنباء "احنا موافقين" .. لا تجعلوهم يعتادون سماعها ويألفون وجودها في حياتهم ..
أرجوكم اكذبوا عليهم "احنا موافقين" ..
قولوا لهم: إن القلب الذي يضخ الدم للجسد .. لا يمكنه في حضرة الأم إلا أن يضخ ودًا وحبًا ..
أخبروهم، إن العقل الذي في الرأس .. عندما يفكر في الأب .. لا يمكن أن يفكر إلا كيف يرد البر عرفا وتقديرًا ..
ذكروهم؛ إن اليد التي تمد اتجاه الأخت .. لا يمكن أن تمتد إلا "لتطبطب" وتربت على كتفها ..
وأكدوا لهم، إن الأخ لأخيه أهل وعزوة وسند ..
واحكوا لهم: إن الزوجة سكن .. والزوج أمان ..
أرجوكم .. أخبروهم وأخبرونا، إن هذه الجرائم ما هي إلا خيال كاتب أو وهم مؤلف مهووس بقصص الرعب .. "احنا موافقين" ..
يقول ربي تبارك وتعالى في "سورة النور: ١٩":
إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" ..
بقلم الدكتورة ميرفت سرحان
عندما كانت جدتي -رحمها الله- تأتي لزيارتنا .. كانت واحدة من الأنشطة التي نقوم بها معًا، مشاهدة أحد المسلسلات الإجتماعية .. كانت جدتي تندمج مع أحداث المسلسل وكأنه قصة واقعية .. فلا زلت أذكر ردة فعلها اتجاه مشاهد المسلسل .. فقد كانت تصرخ بأعلى صوتها عندما يمر مشهد لرجل يصفع زوجته على سبيل المثال، وتقول: "يي يي يكسر ايده" .. ثم إذا مر مشهد لرجل يسيء فيه أو يمكر بأخيه، تبدأ بالبكاء، وتطلب منا إغلاق التلفاز .. وعندما كنا نقول لها: "هذا مسلسل يا ستي، مش حقيقي" .. كانت تشيح بوجهها عنا .. وتفشل كل محاولاتنا لإقناعها أنها مجرد قصص وحكايا ترفيهية تنتجها بعض وسائل الإعلام، وتبثها وسائل أخرى لتسلية الناس .. وأنها لا تمت للواقع بصلة ..
منذ نشأة الإعلام ووسائله، وحاله كحال كل الأشياء وكافة المجالات في الحياة .. منه الحيادي والنزيه، ومنه التابع لجهة ما .. أو داعم لأخرى .. ومنه من أخذ على عاتقه بث أفكار أو ترويج لمبادئ .. ومنه ما ينشر التفاهة، ويدعو للرذيلة .. ومنه ومنه .. وعلى امتداد تلك المجالات، وعلى وسع هذه التناقضات .. إلا أنه يشترك في صفة تكاد لا تخرج عن أي نوع من أنواعه؛ سواء الإعلام السياسي أو الإقتصاي أو الإجتماعي، وحتى الترفيهي .. وغيرها .. وهذه الصفة هي إخفاء الكثير من الحقائق، والكذب في سرد بعض الأنباء .. وبغض النظر عن سبب لجوئها لذلك .. إلا أن وسائل الإعلام تبدع في كيفية إخفاء الحقائق .. وتتفنن في اختلاق الأكاذيب .. وبكثرة ..
مؤخرا أصبحت وسائل الإعلام تضج بأخبار لم نعتد على سماعها في السابق .. فصرنا نصحو على وقع أنباء عن ابن قتل أبيه .. أو فتاة جزت عنق أمها .. أو رجل طعن أخاه .. وذلك أطلق النار على شقيقته .. وآخر هتك عرض طفل من محارمه .. و.. و.. وغيرها ..
في كل مرة أستمع فيها لهذه الأنباء، أتذكر جدتي .. لم تكن تستوعب -رحمها الله- أنه بإمكان أي شخص أن يعتدي على احد محارمه أو أقاربه .. حتى لو كان ذلك من باب الدراما أو التمثيل ..
إن كانت جدتي، امرأة تمثل الزمن الغابر أو القديم، وحتى إن كانت جدتي امرأة رجعية، لا تنتمي إلى التقدم العلمي .. والازدهار الحضاري .. والتطور التكنولوجي .. والحداثة والرقي والتمدن .. فيا حسرة على الزمن القديم .. ويا حسرة على الأيام الغابرة .. أيا ليت تلك الأيام تعود .. تلك الأيام التي كان يستهجن فيها أن يعتدي أحدهم على أهل بيته أو أن يؤذيه ..
ورسالتي إلى وسائل الإعلام: نحن نعلم أن الجريمة موجودة منذ الأزل، ولا ننكر حدوثها .. ولكن تكرار عرض أنبائها على مسامعنا جعل منها أمرًا طبيعيًا ..فبعد أن كنا نكذب حدوثها، صرنا نستهجن، ونستنكر، ونحزن .. حتى اعتدنا وجودها ..
لذلك .. رأفة بالجيل الجديد .. أرجوكم استخدموا أحد حيل الإعلام، واخفوا عنهم هذه الأنباء "احنا موافقين" .. لا تجعلوهم يعتادون سماعها ويألفون وجودها في حياتهم ..
أرجوكم اكذبوا عليهم "احنا موافقين" ..
قولوا لهم: إن القلب الذي يضخ الدم للجسد .. لا يمكنه في حضرة الأم إلا أن يضخ ودًا وحبًا ..
أخبروهم، إن العقل الذي في الرأس .. عندما يفكر في الأب .. لا يمكن أن يفكر إلا كيف يرد البر عرفا وتقديرًا ..
ذكروهم؛ إن اليد التي تمد اتجاه الأخت .. لا يمكن أن تمتد إلا "لتطبطب" وتربت على كتفها ..
وأكدوا لهم، إن الأخ لأخيه أهل وعزوة وسند ..
واحكوا لهم: إن الزوجة سكن .. والزوج أمان ..
أرجوكم .. أخبروهم وأخبرونا، إن هذه الجرائم ما هي إلا خيال كاتب أو وهم مؤلف مهووس بقصص الرعب .. "احنا موافقين" ..
يقول ربي تبارك وتعالى في "سورة النور: ١٩":
إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" ..
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات