"كما لا تحب .. " بقلم الدكتورة ميرفت سرحان



قبل أيام .. اضطررت لمراجعة احدى الدوائر الحكومية لاستكمال معاملة رسمية .. وقد استغرقت مني بضعة أيام لإتمام إجراءاتها .. وفي تلك الأثناء رأيت من سوء معاملة بعض الموظفين للمراجعين ما يثير الدهشة، ويبعث على العجب ..
لذا .. اسمحوا لي أن أشرككم بعضًا من الدروس خرجت بها من هذه التجربة: ..
إذا صدف، وكان لك معاملة لدى دائرة حكومية -أعانك الله- .. فما عليك في صباح إجراء تلك المعاملة إلا أن تقوم بالتالي:
بداية؛ استودع الله هدوءك وصبرك .. ثم شاهد مقطعًا قصيرًا لفيديو يوضح لك آلية تمارين التنفس للاسترخاء، لتحافظ على راحتك قدر المستطاع .. وأخيرًا؛ وقبل أن تغادر المنزل، اخلع إنسانيتك وارتدي ثوب البلادة .. ثم اخرج من المنزل ..
وعندما تصل إلى الدائرة .. انتبه .. لا تفكر أن تضحك مع الموظف ولا حتى تبتسم له، كي لا يعتقد أنك تسخر منه، فيعقد لك سير المعاملة .. ولا تتعامل معه بطيبة ولطف، فيظن أن أوراقك ناقصة، فيعقد لك سير المعاملة .. وإياك إياك أن تغضب عندما يهمل وجودك، أو يؤخر معاملتك لأنه "ينكت" مع زميل له أو يتحدث بهاتفه، أو لأنه يحتاج إلى أربعين دقيقة يحتسي خلالها قهوة الصباح، وعشرين دقيقة أخرى ليتمكن من الاندماج مع "جو " العمل؛ فإن غضبت لذلك أو صرخت، سوف يعقد لك سير المعاملة .. واحذر؛ أن تقترب من مكتب الموظف، أو أن تقوم بأي لفتة عارضة أو حركة لا شعورية أو أن تتنهد أثناء تنفسك!! .. فكل هذه العوامل بالإضافة لعوامل أخرى مشابهة -لا يتسع المكان لذكرها- تؤدي إلى تعطيل سير المعاملة .. وكأنما مهمة بعض الموظفين هي تعطيل سير معاملات المراجعين وليس إتمامها ..
أنهيت المعاملة -ولله الحمد- وغادرت الدائرة .. وأثناء عودتي للمنزل، توقفت لأتناول مشروبًا باردًا .. ولفرط فظاظة إحدى الموظفات فقد رافقت أفكاري وأنا أشرب العصير .. وقلت لنفسي: .. هذه السيدة هي موظفة مسؤولة في هذه الدائرة فقط .. وما عدا ذلك؛ فهي مواطنة عادية من عامة الشعب .. وحتمًا ستحتاج لمراجعة دائرة ما، لإتمام معاملة ما، يومًا ما .. تُرى؛ ما التوقعات التي سوف تدور في ذهن هذه السيدة عندما تراجع الدائرة الثانية؟! ما هي المشاعر التي سوف تنتابها إذا تعامل معها الموظف بفظاظة تشبه سوء طباعها .. وكيف سوف تتصرف مع الموظف عندما يهمل أو يعرقل سير المعاملة الخاصة بها .. تُرى؛ هل دربت نفسها على رد قبيح؟! كما دربت نفسها على سلوك لئيم؟! .. أم أن تكرار فظاظتها مع الآخرين جعل الغلاظة جزءا من سماتها ..
ومع ذلك .. لست أشك للحظة أنها لن تحب أن يتعامل معها الموظف كما تتصرف هي مع المراجعين .. حتى لو ادعت غير ذلك!! ..
لذا .. أرى أن على كل واحد منا أن يجرب ولو لمرة واحدة على الأقل، أن يضع نفسه مكان الآخرين عندما يتعامل معهم بفظاظة، ويفكر قليلًا: هل يرضى لأي شخص كائنًا من كان أن يتعامل معه بازدراء، أو أن يقلل من شأنه؟! .. ثم ليقدر أن الشخص المقابل له هو أحد والديه أو أخويه أو أيًا من أبنائه؛ هل يقبل أن يتعامل معهم أحد ما بغلظة وسماجة؟! .. وكل ذنبهم، أن لديهم معاملة لا بد أن ينهي إجراءاتها أمثاله!! ..
أعتقد أنه لو فعل كل منا ذلك، ووضع نفسه مكان الآخر .. عندها سوف نجد ضالة فقدناها منذ زمن -منذ أن ضيعنا أي صيغة لعرف يحكم طبيعة العلاقات بين الأفراد- ولطول مدة الضياع، بدأنا نفقد الأمل في استعادتها .. إنه الاحترام المتبادل الذي يفترض به أن يكون سيد العلاقات بين الناس "ينظم تواصلهم، ويحكم تعاملاتهم، ويصوب تصرفاتهم" ..
ثم ينشر لهم اللوائح والقوانين:
فكما لا تحب أن يصرخ أحدهم في وجهك .. فإن الجميع كذلك ..
وكما لا تحب أن يقلل أحدهم من شأنك .. لا أحد يحب ذلك ..
وكما لا تحب أن يعكر أحدهم صفو مزاجك .. لا يوجد من يحب ذلك ..
وكما لا تحب أن يُستهزأ بك، أو أن يُجهل عليك، أو، أو، أو .. فإنه لا يسمح لك أن تفعل مع غيرك أيًا من ذلك ..
عامل الناس كما تحب أن يعاملوك .. وخالطهم بخلق حسن كما تحب أن يخالطوك .. وإن لم تقدم لهم خيرًا؛ كف شرك عنهم، كما تحب أن يكفوا شرهم عنك ..
يقول الله تبارك وتعالى في سورة "الإسراء: ٥٣":
"وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً" ..
وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه .." ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :