الأزمة الروسية الأوكرانية تعيد تشكيل نظام الطاقة العالمي
عمانيات - غيرَّت الأزمة الأوكرانية وجه العالم على مستويات مُختلفة، ووضعت الدول باختلافها على مسارات غيَّرت في طريقة تعاملها مع القضايا مثل الأمن القومي والسياسة الخارجية والإنفاق الدفاعي والتحالفات العسكرية وأمن الطاقة وغيرها من الأمور، وأعلن قادة الشركات الكُبرى عن تسارعٍ في عجلة تراجع العولمة ودقوا ناقوس الخطر لبدء فترة جديدة من الركود التضخمي في العالم.
وكما أدت الحاجة الملحة إلى الحد من انبعاثات الكربون على مدى العقدين الماضيين[1] إلى إعادة تشكيل نظام الطاقة العالمي تدريجيا، فإن الحرب في أوكرانيا قد أعادت قضية أمن الطاقة إلى الواجهة من جديد إلى جانب تغير المناخ باعتبارهما مصدر قلق كبير لصناع السياسات في كل دول العالم، وصارت هاتين القضيتين بمكان يسمح لهما بإعادة تشكيل التخطيط الوطني للطاقة عالميًا، وتدفقات تجارتها، والاقتصاد العالمي الأوسع معها، حيث سيزيد اهتمام البلدان بالحفاظ على أمنها وتجارتها الداخلية، وستعطى الأولوية لإنتاج الطاقة المحلي وسيؤثر هذا على التعاون الإقليمي السَّاعي للانتقال إلى صافي انبعاثات كربونية صفرية، وإذا تحولت الدول المختلفة إلى معسكرات طاقة استراتيجية، فإن الجهود التي بُذلت في العقود الماضية، والتي أنتجت ترابطًا كبيرًا بين مصادر الطاقة المتعددة حول العالم، ستصير في خطر مقابل تدشين عصر جديد تتقطع فيه أوصال الاستفادة العالمية من الطاقة بشكل خاصٍ والموارد بشكل عامٍ.
لربما تكون أزمة الطاقة الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا الأسوأ منذ نصف قرن بالنسبة لأوروبا وأميركا، وقد أجرى العديد من المحللين بالفعل مقارنات مع أزمات النفط في السبعينيات[2]، ولكن توجد اختلافات مهمة بين الاثنتين: بادئ ذي بدء، فالاقتصاد العالمي أقل كثافة في استخدام الطاقة، حيث تجاوز النمو الاقتصادي النمو في استخدام الطاقة، وبالتالي فإن العالم يستخدم الآن طاقة أقل بكثير لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي. كما أن عدد الشركات التي توزع النفط على مستوى العالم اليوم أعلى بكثير مما كان عليه في أوائل السبعينيات، عندما كان عدد قليل من الشركات يسيطر على معظم تجارة النفط في العالم. ضَمِنَ هذا العدد الكبير من المتنافسين متانة وقوة سلاسل توريد الطاقة.
كل ما ذكرناه لا ينفي أن أزمة الطاقة الحالية تتجاوز النفط بكثير، وبالتالي يمكن أن تؤثر على شريحة أوسع في الساحة الاقتصادية، ومن المتوقع أن تتعطل مصادر الطاقة بجميع أنواعها بسبب الاضطرابات، فروسيا ليست فقط أكبر مصدر للنفط والمنتجات البترولية المكررة في العالم، ولكنها أيضًا المورِّد الأكبر للغاز الطبيعي إلى أوروبا ومصدر رئيسي للفحم واليورانيوم منخفض التخصيب المستخدم في تشغيل المحطات النووية، ناهيك عن العديد من السلع الأخرى. ومع اقتراب أسعار الفحم والبنزين والديزل والغاز الطبيعي وغيرها من السلع الأساسية إلى أسعار قياسية مرتفعة، فإن المزيد من الاضطراب في إمدادات الطاقة الروسية، سواء بدأتها روسيا أو أوروبا، من شأنه أن يسرع التضخم، ويحفّز الركود، ويجبر الناس على تقنين الطاقة، وإغلاق شركاتهم ومشاريعهم.
كان نظام الطاقة العالمي تحت الضغط حتى قبل أن تقرر روسيا غزو أوكرانيا، إذ واجهت أوروبا وأجزاء أخرى من العالم تحديات في توليد الطاقة، لأن أغلب الكهرباء المتولدة لديها تأتي من مصادر متجددة (ولكن متقطعة وغير معدّة للمواصلة) مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وأدت سنوات من ضعف العائدات وزيادة الضغوط المناخية في الوقت نفسه إلى خفض الاستثمار في النفط والغاز، مما أدى إلى إمدادات محدودة، كما فاقمت مشاكل سلاسل التوريد المرتبطة بكوفيد-19 حالة الندرة وزادت من ضغوط التسعير في عام 2021.
ودفعت أسعار الغاز الطبيعي المرتفعة في أوائل عام 2022 ببعض المرافق الأوروبية إلى الإفلاس وأجبرت الحكومات على تسديد فواتير طاقتها. كان من الممكن أن تكون الأمور أسوأ، إلا أن الطقس الدافئ بخلاف المتوقع (نتيجة الاحتباس الحراري أولًا والدخول في فصل الصيف ثانيًا) في أوروبا وآسيا خفف من بعض الطلب على الطاقة.
صارت أسواق الطاقة أكثر تقلبًا منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، وتقلصت أسواق الائتمان، تاركة القليل من السيولة لدعم شراء وبيع النفط، وتعرض كل من العرض والطلب لصدمات كبيرة، وابتعد العديد من المشترين عن النفط الروسي بسبب قلقهم من العقوبات البنكية والمالية الغربية فضلا عن الوصمة المحتملة لممارسة الأعمال التجارية مع روسيا. تقدر الوكالة الدولية للطاقة أن إنتاج روسيا اليومي انخفض بمقدار مليون برميل، والرقم معرض للانخفاض أكثر إذا تابع الاتحاد الأوروبي خطته لحظر جميع النفط الخام والبنزين والديزل الروسي بحلول نهاية العام. ودفعت التكهنات بفرض المزيد من العقوبات إلى رفع الأسعار أكثر، وذلك إلى جانب إحجام أوبك بلس عن تعويض إمدادات النفط الروسية المفقودة، وذلك حتى نهاية شهر مايو 2022.
أما وفي 2 يونيو، فقد أعلنت أوبك بلس عن زيادة إنتاجها لـ 648 مليون برميل يوميًا بدلًا من 432 مليون في محاولة للحد من ارتفاع الأسعار منذ بداية الحرب في أوكرانيا، وشددت بيان المنظمة على أهمية استقرار الأسواق وتوازنها، وذكرت 5 مصادر لصحيفة فايننشال تايمز، أن السعودية جاهزة ومستعدة لضخ المزيد من النفض لحلفائها الغربيين إذا انخفض إنتاج روسيا أكثر نظرًا للعقوبات والحظر.
تداول العالم النفط اعتبارًا من أواخر مايو بما يزيد عن 100 دولار للبرميل، ووصلت أسعار البنزين في الولايات المتحدة إلى مستوى قياسي في ذلك الشهر (لم يتم تعديلها وفقا للتضخم)، ورفعت أسعار الديزل الصاروخية تكاليف الشحن والغذاء، كما ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2008، حيث تضاعفت تقريبا عمَّا كانت عليه في بداية العام. كما شهدت الدول العربية ارتفاعًا في أسعار الوقود، وتصدرت المغرب الزيادة بنسبة 14.9% عمَّا كانت عليهِ مع بداية الغزو الروسي على أوكرانيا.
يواجه المستهلكون حول العالم حالة طوارئ أكثر حدة نتيجة لأسعار الغاز الطبيعي المرتفعة للغاية. كانت مثل هذه الأسعار ستظل أعلى لولا عاملين قويين يحركان السوق مؤقتًا على الأقل في الاتجاه المعاكس. أدى الإغلاق الناجم عن فيروس كوفيد -19 في الصين إلى تراجع خطير في الطلب العالمي على الطاقة، وأطلقت الولايات المتحدة وشركاؤها الدوليون كميات غير مسبوقة من النفط من احتياطاتهم الاستراتيجية إلى أوروبا، وفي الوقت الحالي، يعوض الحجم المتدفق من المخزونات الاستراتيجية خسارة الإمدادات من روسيا تقريبا.
لكن الأسوأ لم يأت بعد
عندما تخفف إجراءات الإغلاق الصينية، سوف يرتفع الطلب على النفط، ما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وينطبق الأمر نفسه على أسعار الغاز الطبيعي، والتي بدورها تؤثر على أسعار الكهرباء والتدفئة، وعلى الرغم من أن الغاز الروسي استمر إلى حد كبير في التدفق إلى أوروبا، إلا أن موسكو أوقفت مبيعاتها إلى فنلندا وبولندا وبلغاريا، كما أنها حدَّت من صادراتها عبر أوكرانيا وعبر شركة تابعة لشركة غازبروم استولت عليها ألمانيا، وهددت بقطع الإمدادات عن جميع الدول الأوروبية التي لن تدفع بالروبل الروسي، ولا يزال من غير المرجح حدوث انقطاع كامل لإمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا، ولكن ليس من المستحيل تصوره، وربما يؤدي إلى نقص في الطاقة وتقنينها وإلى وإغلاق الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة.
وسيكون لأي عقوبات إضافية آثار من الدرجة الثانية والثالثة على نظام الطاقة العالمي، وقد دفعت الاضطرابات في أسواق الغاز الطبيعي المسال، والتي تدفقت بشكل متزايد نحو أوروبا بسبب ارتفاع الأسعار هناك، آسيا لتبحث عن مصادر بديلة للطاقة.
وقد برز الفحم من جديد للساحة، وهو بديل وفير ورخيص نسبيا للغاز الطبيعي، وعززت الصين ودول أخرى إنتاج الفحم وسط مخاوف متزايدة من نقص الطاقة العالمي، مما أدى إلى تخفيف بعض الضغوط عن أسواق الغاز العالمية. وبدون زيادة إنتاج آسيا من الفحم، فإن أوروبا ستكون أقل قدرة على التعامل مع فقدان الغاز الروسي، ولكن زيادة الاعتماد على الفحم دفع سعره إلى مستويات قياسية أيضا، مما جعل البلدان ذات الدخل المنخفض مثل الهند وباكستان تكافح لتلبية احتياجاتها من الطاقة في خضم موجات الحر القاتلة، كما أن ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، المستخدم في إنتاج الأسمدة، يؤدي أيضا إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية التي كانت ترتفع بالفعل بسبب الاضطرابات في الصادرات الزراعية الروسية والأوكرانية.
ولا يجب أن ننسى أن بروز الفحم كبديل حالي للأزمة يتعارض والجهود العالمية في الانتقال إلى الوقود النظيف، خصوصًا أنه الوقود الأكثر بعثًا للكربون، وهو ما يشير إلى حالة من الاضطراب في التعامل بين الأولويات المزدوجة بين إيجاد أمنٍ للطاقة والالتزام بجهود التغير المناخي بالحد الأدنى من التدخل الحكوميّ، أو بالتدخل الحكومي الذي يُساعد السوق على تعديل مساره في الاستفادة من الحلول المتوافرة الآن لتحصين أمن الطاقة على المدى القريب، وحماية جهود التحول المناخي على المدى البعيد دون الوقوع في تدخلات تُسفر عن أزمات أخرى، كما حصل في الولايات المُتحدة في سبعينيات القرن الماضي.
وكما أدت الحاجة الملحة إلى الحد من انبعاثات الكربون على مدى العقدين الماضيين[1] إلى إعادة تشكيل نظام الطاقة العالمي تدريجيا، فإن الحرب في أوكرانيا قد أعادت قضية أمن الطاقة إلى الواجهة من جديد إلى جانب تغير المناخ باعتبارهما مصدر قلق كبير لصناع السياسات في كل دول العالم، وصارت هاتين القضيتين بمكان يسمح لهما بإعادة تشكيل التخطيط الوطني للطاقة عالميًا، وتدفقات تجارتها، والاقتصاد العالمي الأوسع معها، حيث سيزيد اهتمام البلدان بالحفاظ على أمنها وتجارتها الداخلية، وستعطى الأولوية لإنتاج الطاقة المحلي وسيؤثر هذا على التعاون الإقليمي السَّاعي للانتقال إلى صافي انبعاثات كربونية صفرية، وإذا تحولت الدول المختلفة إلى معسكرات طاقة استراتيجية، فإن الجهود التي بُذلت في العقود الماضية، والتي أنتجت ترابطًا كبيرًا بين مصادر الطاقة المتعددة حول العالم، ستصير في خطر مقابل تدشين عصر جديد تتقطع فيه أوصال الاستفادة العالمية من الطاقة بشكل خاصٍ والموارد بشكل عامٍ.
لربما تكون أزمة الطاقة الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا الأسوأ منذ نصف قرن بالنسبة لأوروبا وأميركا، وقد أجرى العديد من المحللين بالفعل مقارنات مع أزمات النفط في السبعينيات[2]، ولكن توجد اختلافات مهمة بين الاثنتين: بادئ ذي بدء، فالاقتصاد العالمي أقل كثافة في استخدام الطاقة، حيث تجاوز النمو الاقتصادي النمو في استخدام الطاقة، وبالتالي فإن العالم يستخدم الآن طاقة أقل بكثير لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي. كما أن عدد الشركات التي توزع النفط على مستوى العالم اليوم أعلى بكثير مما كان عليه في أوائل السبعينيات، عندما كان عدد قليل من الشركات يسيطر على معظم تجارة النفط في العالم. ضَمِنَ هذا العدد الكبير من المتنافسين متانة وقوة سلاسل توريد الطاقة.
كل ما ذكرناه لا ينفي أن أزمة الطاقة الحالية تتجاوز النفط بكثير، وبالتالي يمكن أن تؤثر على شريحة أوسع في الساحة الاقتصادية، ومن المتوقع أن تتعطل مصادر الطاقة بجميع أنواعها بسبب الاضطرابات، فروسيا ليست فقط أكبر مصدر للنفط والمنتجات البترولية المكررة في العالم، ولكنها أيضًا المورِّد الأكبر للغاز الطبيعي إلى أوروبا ومصدر رئيسي للفحم واليورانيوم منخفض التخصيب المستخدم في تشغيل المحطات النووية، ناهيك عن العديد من السلع الأخرى. ومع اقتراب أسعار الفحم والبنزين والديزل والغاز الطبيعي وغيرها من السلع الأساسية إلى أسعار قياسية مرتفعة، فإن المزيد من الاضطراب في إمدادات الطاقة الروسية، سواء بدأتها روسيا أو أوروبا، من شأنه أن يسرع التضخم، ويحفّز الركود، ويجبر الناس على تقنين الطاقة، وإغلاق شركاتهم ومشاريعهم.
كان نظام الطاقة العالمي تحت الضغط حتى قبل أن تقرر روسيا غزو أوكرانيا، إذ واجهت أوروبا وأجزاء أخرى من العالم تحديات في توليد الطاقة، لأن أغلب الكهرباء المتولدة لديها تأتي من مصادر متجددة (ولكن متقطعة وغير معدّة للمواصلة) مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وأدت سنوات من ضعف العائدات وزيادة الضغوط المناخية في الوقت نفسه إلى خفض الاستثمار في النفط والغاز، مما أدى إلى إمدادات محدودة، كما فاقمت مشاكل سلاسل التوريد المرتبطة بكوفيد-19 حالة الندرة وزادت من ضغوط التسعير في عام 2021.
ودفعت أسعار الغاز الطبيعي المرتفعة في أوائل عام 2022 ببعض المرافق الأوروبية إلى الإفلاس وأجبرت الحكومات على تسديد فواتير طاقتها. كان من الممكن أن تكون الأمور أسوأ، إلا أن الطقس الدافئ بخلاف المتوقع (نتيجة الاحتباس الحراري أولًا والدخول في فصل الصيف ثانيًا) في أوروبا وآسيا خفف من بعض الطلب على الطاقة.
صارت أسواق الطاقة أكثر تقلبًا منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، وتقلصت أسواق الائتمان، تاركة القليل من السيولة لدعم شراء وبيع النفط، وتعرض كل من العرض والطلب لصدمات كبيرة، وابتعد العديد من المشترين عن النفط الروسي بسبب قلقهم من العقوبات البنكية والمالية الغربية فضلا عن الوصمة المحتملة لممارسة الأعمال التجارية مع روسيا. تقدر الوكالة الدولية للطاقة أن إنتاج روسيا اليومي انخفض بمقدار مليون برميل، والرقم معرض للانخفاض أكثر إذا تابع الاتحاد الأوروبي خطته لحظر جميع النفط الخام والبنزين والديزل الروسي بحلول نهاية العام. ودفعت التكهنات بفرض المزيد من العقوبات إلى رفع الأسعار أكثر، وذلك إلى جانب إحجام أوبك بلس عن تعويض إمدادات النفط الروسية المفقودة، وذلك حتى نهاية شهر مايو 2022.
أما وفي 2 يونيو، فقد أعلنت أوبك بلس عن زيادة إنتاجها لـ 648 مليون برميل يوميًا بدلًا من 432 مليون في محاولة للحد من ارتفاع الأسعار منذ بداية الحرب في أوكرانيا، وشددت بيان المنظمة على أهمية استقرار الأسواق وتوازنها، وذكرت 5 مصادر لصحيفة فايننشال تايمز، أن السعودية جاهزة ومستعدة لضخ المزيد من النفض لحلفائها الغربيين إذا انخفض إنتاج روسيا أكثر نظرًا للعقوبات والحظر.
تداول العالم النفط اعتبارًا من أواخر مايو بما يزيد عن 100 دولار للبرميل، ووصلت أسعار البنزين في الولايات المتحدة إلى مستوى قياسي في ذلك الشهر (لم يتم تعديلها وفقا للتضخم)، ورفعت أسعار الديزل الصاروخية تكاليف الشحن والغذاء، كما ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2008، حيث تضاعفت تقريبا عمَّا كانت عليه في بداية العام. كما شهدت الدول العربية ارتفاعًا في أسعار الوقود، وتصدرت المغرب الزيادة بنسبة 14.9% عمَّا كانت عليهِ مع بداية الغزو الروسي على أوكرانيا.
يواجه المستهلكون حول العالم حالة طوارئ أكثر حدة نتيجة لأسعار الغاز الطبيعي المرتفعة للغاية. كانت مثل هذه الأسعار ستظل أعلى لولا عاملين قويين يحركان السوق مؤقتًا على الأقل في الاتجاه المعاكس. أدى الإغلاق الناجم عن فيروس كوفيد -19 في الصين إلى تراجع خطير في الطلب العالمي على الطاقة، وأطلقت الولايات المتحدة وشركاؤها الدوليون كميات غير مسبوقة من النفط من احتياطاتهم الاستراتيجية إلى أوروبا، وفي الوقت الحالي، يعوض الحجم المتدفق من المخزونات الاستراتيجية خسارة الإمدادات من روسيا تقريبا.
لكن الأسوأ لم يأت بعد
عندما تخفف إجراءات الإغلاق الصينية، سوف يرتفع الطلب على النفط، ما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وينطبق الأمر نفسه على أسعار الغاز الطبيعي، والتي بدورها تؤثر على أسعار الكهرباء والتدفئة، وعلى الرغم من أن الغاز الروسي استمر إلى حد كبير في التدفق إلى أوروبا، إلا أن موسكو أوقفت مبيعاتها إلى فنلندا وبولندا وبلغاريا، كما أنها حدَّت من صادراتها عبر أوكرانيا وعبر شركة تابعة لشركة غازبروم استولت عليها ألمانيا، وهددت بقطع الإمدادات عن جميع الدول الأوروبية التي لن تدفع بالروبل الروسي، ولا يزال من غير المرجح حدوث انقطاع كامل لإمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا، ولكن ليس من المستحيل تصوره، وربما يؤدي إلى نقص في الطاقة وتقنينها وإلى وإغلاق الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة.
وسيكون لأي عقوبات إضافية آثار من الدرجة الثانية والثالثة على نظام الطاقة العالمي، وقد دفعت الاضطرابات في أسواق الغاز الطبيعي المسال، والتي تدفقت بشكل متزايد نحو أوروبا بسبب ارتفاع الأسعار هناك، آسيا لتبحث عن مصادر بديلة للطاقة.
وقد برز الفحم من جديد للساحة، وهو بديل وفير ورخيص نسبيا للغاز الطبيعي، وعززت الصين ودول أخرى إنتاج الفحم وسط مخاوف متزايدة من نقص الطاقة العالمي، مما أدى إلى تخفيف بعض الضغوط عن أسواق الغاز العالمية. وبدون زيادة إنتاج آسيا من الفحم، فإن أوروبا ستكون أقل قدرة على التعامل مع فقدان الغاز الروسي، ولكن زيادة الاعتماد على الفحم دفع سعره إلى مستويات قياسية أيضا، مما جعل البلدان ذات الدخل المنخفض مثل الهند وباكستان تكافح لتلبية احتياجاتها من الطاقة في خضم موجات الحر القاتلة، كما أن ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، المستخدم في إنتاج الأسمدة، يؤدي أيضا إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية التي كانت ترتفع بالفعل بسبب الاضطرابات في الصادرات الزراعية الروسية والأوكرانية.
ولا يجب أن ننسى أن بروز الفحم كبديل حالي للأزمة يتعارض والجهود العالمية في الانتقال إلى الوقود النظيف، خصوصًا أنه الوقود الأكثر بعثًا للكربون، وهو ما يشير إلى حالة من الاضطراب في التعامل بين الأولويات المزدوجة بين إيجاد أمنٍ للطاقة والالتزام بجهود التغير المناخي بالحد الأدنى من التدخل الحكوميّ، أو بالتدخل الحكومي الذي يُساعد السوق على تعديل مساره في الاستفادة من الحلول المتوافرة الآن لتحصين أمن الطاقة على المدى القريب، وحماية جهود التحول المناخي على المدى البعيد دون الوقوع في تدخلات تُسفر عن أزمات أخرى، كما حصل في الولايات المُتحدة في سبعينيات القرن الماضي.
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات