تبييض طناجر .. بقلم : طلعت شناعة



كان يأتي الى حارتنا ونحن في سنوات الصبا، رجل يحمل «عدّة» وينادي باعلى صوته»مبيّض طناجر النحاس والألمنيوم». ومثله كان يأتي « مجلّخ الساكين» ومعه رافعة خشبية تعلوها دائرة حديدية و»قشاط» ينتهي بموضع قدم. وكان الرجل يضغط بقدمه وكأنه يضغط على بنزين سيارة،بينما يكون قد ثبّت بين اصابعه سكينا وأخذ يبرده حتى يستوي ويصبح نصله حادا كصوت الرّيح.

كان الاولاد يجتمعون حول «مبيّض الطناجر»، وكنا نستمع الى حكاياته الغريبة ولا نملك الاّ الاستماع والتصديق، على الأقل بحكم السنّ.

وسبحان مغيّر الاحوال، تتحول الطنجرة بين يديه الى طنجرة جديدة، وتلوح بين يديه وكأنها قد اشتُريَتْ للتوّ.

وكما كانت تتعدد أشكال الأواني النحاسية على اختلاف أنواعها، فمنها ما كان يستخدم في طهي الطعام ومنها ما كان مخصصا لغسيل الملابس، ومنها ما كان يستخدم في غسيل الأيدي، وتُقاس مدى ثراء الأسرة أو فقرها بعدد أواني النحاس التي يمتلكونها.

و كذلك ،كانت مهنة مبيّض النحاس لها مكانة كبيرة في المجتمع، وكانت تُدرّ ربحا كبيرا على من يعمل بها، فقد كان له يوم محدد يمر فيه على الحي أو القرية ويتجمع الأهالي محضرين معهم أوانيهم النحاسية، ويقوم مبيّض النحاس باستعمال أدواته، وغالبا ما كانت تشاركه زوجته العمل.

يحضر مبيض النحاس معه كمية من «الرماد الأحمر» الناتج عن تصنيع «الطوب الأحمر» و»ماء النار»، ليضعهما داخل الأواني النحاسية، ويضع طبقة كبيرة من «الخيش» ويقوم بالوقوف داخلها، ويدعكه ب «قدميه» بحركة دائرية منتظمة إلى أن يلمع النحاس وتُزال من فوقه الطبقة الخضراء.

ثم يقوم بعد ذلك بغسل الأواني جيدا وتسليمها لأصحابها جميلة وبرّاقة، ويقوم الأهالي بإعطائه ما يجودون به عليه من خيرات البيت.
اياااام.. وذكرياااات




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :