مال وجمال .. وطعام .. بقلم الدكتورة ميرفت سرحان




بالأمس .. التقيت بإحدى الصديقات القدامى .. وبعد عبارات الاشتياق، والاطمئنان عن الأحوال .. قالت لي: اسمعي .. سوف أخبرك عن أحداث نهار مررت به قبل يومين ..
قالت صديقتي: ذهبت في الصباح الباكر إلى عملي .. كانت مجموعة من زميلاتي يحتسين القهوة، ويتبادلن أطراف الحديث .. بدت الجلسة ممتعة فقررت الانضمام إليهن .. كان محور الحديث عن أشهى الطبخات، وأسهل الوصفات، وقد استمر الموضوع حتى بعد أن أنهينا تناول القهوة، وبدأنا العمل .. ثم ذكرت إحدى الموظفات عن حادثة شرائها لفستان من محل تجاري في "المول"، وما لبثت أن وجدت نفس الفستان بسعر أرخص في السوق .. واستمر حديث التسوق، وحكاياه إلى نهاية الدوام ..
ما زالت الصديقة تتحدث: عدت إلى المنزل، نظفت، وحضرت الطعام .. ثم غادرت إلى النادي الرياضي: في غرفة الملابس كان حديث السيدات عن عمليات "الشفط والنفخ" .. ذهبت إلى غرفة الأجهزة الرياضية وسمعت الفتيات يتحدثن عن "الفلر والبوتكس" ..
غادرت النادي .. وتوجهت إلى البقالة .. رأيت هناك شابان في العقد الثاني من عمريهما .. سمعت أحدهما يذكر للآخر بأن "الحلاق" الذي اعتاد الذهاب إليه قد استخدم شابًا جديدًا متخصصًا في تنظيف البشرة، وأخد يحثه على تنظيف بشرته ..
في الطريق كان هناك شابان آخران يتحدثان عن أسهل وأسرع الطرق لجني المال، وأنه أهم شي يمكن أن يحصل عليه الإنسان في هذه الحياة ..
في المساء؛ فتحت التلفاز .. فإذا بسيدة جميلة، وذات طلة بهية .. كانت تتحدث عن أخر صيحات الموضة، وعن كيفية تنسيق الملابس ..
غيرت "القناة" .. فإذا بسيدة أخرى تتحدث عن كيفية جلب الحبيب، واستحضار النصيب!! ..
أكملت صديقتي: وهذا كل ما وقع عليه سمعي خلال يومي!!! ..
هممت أن أعلق على ما ذكرت .. فقالت: بل؛ هذه جُلّ المواضيع التي أسمعها كل يوم تقريبًا ..
أكملت صديقتي: أتعلمين ما الغريب والملفت في الأمر؟! .. الملفت؛ أن كل هذه الأشياء التي نسعى جاهدين لامتلاكها، وقد لا نكترث لما بذلناه في سبيل الحصول عليها .. إلا أنها لم تجعل منا أشخاصًا سعداء!! ..
قلت: نحن نحتاج فعلًا لجني المال .. ونحتاجه لحماية أجسادنا .. والمحافظة على جمالنا ..
ولكن؛ المبالغة في الاهتمام بالأجساد والاعتناء بالأشكال .. جعلتنا نهمل الأرواح التي في داخلها، تلك الأرواح التي أنهك قواها الجري وراء مواكبة متطلبات الحياة الجديدة المزعومة، والركض خلف احتياجاتها الزائفة ..
لذا .. أرى أننا ربما نحتاج لنفخ مستوى الرضى عن أحوالنا وأشكالنا وكل شؤوننا .. وشفط التذمر عن ما نعتقد أنه ينقصنا .. وحقن أدمغتنا بإبرة "فلر": جمال الجسد ليس أبعاد وحواف .. جماله بأن يحمل عقل فطن، وقلب نقي، ونفس زكية ..
ربما نحتاج المال لشراء غذاء لهذه الأرواح؛ وأيًا كان نوعه "عربيًا أو إيطاليًا أو مكسيكيًا أو هنديًا .. أو غيره" .. فهو يحتاج لخلطة توابل خاصة تحتوي على: "القليل من بهارات تقبل أنفسنا كما هي بعيوبها قبل مزاياها .. وصوص القناعة بما نفقد قبل الرضا عن ما نمتلك" .. وملحها حسن الوصل بالله ..

عن أبي هريرة رضي الله عنه ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله لا ينْظُرُ إِلى أجْسَامِكُمْ، ولا إِلى صُوَرِكمْ، وَلَكن ينْظُرُ إلى قُلُوبِكمْ وأعمالكم" ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :