العيدُ فرحة .. بقلم الدكتورة ميرفت سرحان



كنت قد عملت فيما مضى في مكان .. أفضل وصف يقال فيه أنه متواضع جدًا .. وأشخاصه أكثر تواضعًا .. أذكر جيدًا تلك العلاقة الطيبة التي كانت تجمعهم .. فقد كان بينهم ألفة ورحمة .. يسأل أحدهم عن الآخر (عن أحواله، وعن أخبار عائلته، وعن ظروفه المادية) .. وإن استطاع أن يقدم أحدهم أي خدمة للآخر فإنه كان يبادر مباشرةً ولا يفكر في الموضوع مرتين .. أما طريقة تعاملهم مع بعضهم البعض فقد كانت عفوية ومرحة وبسيطة (لا يتقصد فيها أحدهم أن يزعج الآخر، وإن فعل اعتذر ..) ..
إن صورت ذلك المكان وأشخاصه .. ثم نظرت إلى الصورة، سوف تنعكس على وجهك ابتسامة تشع من شمس علاقة دافئة .. وسماء ودّ صافية ..
وشاء القدر .. وانتقلت إلى عمل آخر .. في مكان مختلف .. طابعه أكثر فخامة، وأشد حداثه .. وأفضل وصف لأشخاصه أنهم أكثر تكلفًا وأشد تصنعًا (بالكاد يلقي أحدهم على زميله التحية، ولا يكترث لما يحدث مع غيره، وينظر كل منهم إلى الآخر نظرة فوقية .. وإن أساء أحدهم إلى الآخر، فلا يهتم ولا يعتذر ..) ..
إن صورت ذلك المكان وأشخاصه .. ثم نظرت إلى الصورة، سوف يرتد إلى وجهك قتامة علاقة باهتة .. وظلمة بلادة مشاعر كريهة ..
يبدو أن البساطة ما كانت في شيءٍ قط إلا زانته .. وأن التكلف ما كان في شيءٍ قط إلا شانه ..
وما يحدث الآن في العيد من مبالغة في الزينة، وإسراف في أشكال الضيافة، وإصرار على ترتيب السفرات، وتصميم على عمل رحلات، ومغالاة في أنواع الملابس، وإفراط في اقتناء الاكسسوارات .. كلها أفقدت العيد بهجته .. وطمست رونقه .. وغيرت حكمته .. وأرهقت كاهل المحتفلين به، وزادت أعباءهم .. وأثقلت ميزانياتهم، وفاقمت من ديونهم ..
العيد فرحة .. الحكمة منه الفرحة .. وموعده بعد اتمام طاعة فرحة .. ولمة الأحباب فيه فرحة .. والسؤال عن الأهل فرحة .. وزيارة الأقارب فرحة .. وسرور تدخله على قلب غيرك فرحة ..
أظن أن من تعمد أن ينزع من قلوبنا حكمة العيد وبساطة الفرحة فيه .. ويحولها إلى مغالاة في التكلف لتحضيرات العيد، وتصنع في التجهيزات لاستقباله .. أظنه سوف يحمل وزر كل من قلده وفعل فعلته .. تمامًا كما حمل أحد ابني آدم وزر قتل أخيه، ووزر كل قاتل من بعده إلى يوم الدين ..

أقتبس من قصيدة "نسيب ذييان"
العيد جاء فيه تبتسم الحياة
العيد جاء يغْمُرُ القلب سناه
فيْه نرقى نشكُر الله بصمتٍ
فيه عطر الروح فواحٌ شذاه
كان عيداً رائعاً بل ماتعاً
فيه افراح ورغد ورفاه
كانت الأفراح تسكن كل بيتٍ
كانت الأفراح تسكن في الشفاه
كان عيدا للتواصل والحنان
كان طوقاً للتراحم والنجاة
الآن قد صار خجولاً
ليس فيه غير طَقْسٍ وابتهالٍ وصلاة
عيد فيه تبتسم العيون
رغم ما في القلب من وجع وآه
أيها العيدُ السعيدُ عم صباحاً
عم مساءً انت في القلب حلاه




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :