"الانتفاضة الطلابية" في الجامعات الأمريكية ضد الحرب في غزة


عمانيات - "الانتفاضة الطلابية" في الجامعات الأمريكية ضد الحرب في غزة

نورالدين نديم

تتواصل الاحتجاجات الطلابية في العديد من الجامعات الأمريكية والأوروبية ضد الحرب التي يشنها الكيان الصهيوني في غزة، ورغم القمع الذي تمارسه إدارات الجامعات بالتعاون مع السلطات هناك، إلا أن الاحتجاجات تستمر، بل وتتسع رقعتها لتشمل جامعات أخرى.
ويعمد الطلبة المشاركين في الاحتجاجات والرافضين للحرب في غزة إلى نصب الخيام في ساحات جامعاتهم في رمزية للدلالة على إصرارهم على البقاء في فعالياتهم الاحتجاجية حتى تؤتي أُكُلها بوقف الحرب ووقف تسليح "إسرائيل" من جهة، وسحب جامعاتهم إستثماراتها من الكيان الصهيوني من جهة أخرى.
ويُذكر أن ذات الطلاب المشاركين في الاحتجاجات، يساهمون في حملة المقاطعة العالمية ضد المنتجات "الاسرائيلية"، وهم الآن يعملون على توسيع حملتهم لتشمل سحب الاستثمارات وعدم رفد الكيان بأي فائدة تمكنه من ممارسة طغيانه والاستمرار في عدوانه على الشعب الفلسطيني.
وتصدرت جامعة كولومبيا طليعة الاحتجاجات، وواجهوا إدارة جامعية قمعية أمهلتهم 48 ساعة لإنهاء اعتصامهم، لتستعين بعدها بقوات الجيش والأمن الوطني لإنهاء الاعتصام بالقوة.
وبالتوازي مع جامعة كولومبيا كانت الاحتجاجات تتسع وتتواصل في جامعة فاندربيلت التي طردت الجامعة ثلاثة من طلابها، واستعانت بجهاز الأمن الوطني لفض اعتصامهم.
ولم يردع هذا المستوى من القمع واستخدام القوة المفرطة، الطلبة من مواصلة احتجاجهم، بل تعاظمت الاحتجاجات واتسعت لتشمل جامعات أخرى داخل وخارج الولايات المتحدة الأمريكية.
إزدادت عدوى إقامة المخيمات في الجامعات، وازداد بالتوازي معها قمع الادارات الجامعية للطلاب، واستدعائها قوات الجيش والشرطة لاعتقال الطلاب.

بدأت الاحتجاجات بمشاركة من طلاب وأعضاء هيئة تدريسية وإدارية في بعض الجامعات الأمريكية في الاحتجاجات التني ينظمها ناشطون ومنظمات حقوقية خارج أسوار الجامعات.
ثم تداعى الطلبة المشاركون بالفعاليات إلى عمل مداخلات خلال المحاضرات والحوارات التي تقيمها كلياتهم داخل الجامعة، لتتطور هذه النقاشات التي لم يجد فيها الطلاب إحترامًا لرأيهم وحياداً في موقف مدرسيهم وإدارة جامعتهم، إلى فعاليات احتجاجية سلمية داخل جامعاتهم، خاصة بعد تثبتهم من مشاركة جامعاتهم باستثمارات تدعم الكيان الصهيوني، ومع ازدياد تجاهل الجامعات لمطالب طلبتها، ازداد إصرار الطلاب على تحقيق مطالبهم، والتعبير عن آرائهم ومواقفهم، ورفضهم لسياسة القمع وتكميم الأفواه التي تمارسها إدارات الجامعات ضدهم.
وما ميّز الاحتجاجات الطلابية أنها لم تقتصر على الأصول العربية أو المسلمين منهم فقط، وإنما أخذت طابعًا إنسانياً، بمشاركة مجموعات من مختلف الأصول والديانات مثل المنظمة اليهودية: "الصوت اليهودي من أجل السلام" والتي تناهض الصهيونية وتقف ضد الاحتلال "ألإسرائيلي" لفلسطين وتهجير أهلها منها.
واتسمت حركة الطلاب الاحتجاجية بطابع مناهض للصهيونية ورافض لهيمنتها على قرار بلادهم السياسي، وهذا ما أكده المحتجون في جامعة هارفارد خلال مؤتمر صحفي لهم بثته وكالات أنباء عالمية، بأن حركتهم معادية للصهيونية، واصفين إحتجاجاتهم بأنها "إنتفاضة طلابية"، وهو ذات المصطلح الذي ردده الطلاب لوصف احتجاجهم في جامعة جورج واشنطن، وجامعة ستانفورد، وجامعة إنديانا بلومنجتون.
أصدر الطلاب في الجامعات التي اندلعت بها الاحتجاجات، العديد من البيانات التي تصف وتوضح موقفهم ومطالبهم، حيث تضمنت دعوات لوقف دائم لإطلاق النار وإنهاء المساعدات العسكرية "لإسرائيل"، وسحب استثمارات الجامعات من الشركات المستفيدة والداعمة للحرب في غزة، والتراجع عن العقوبات التي فرضتها إدارة الجامعة على الطلاب وأعضاء هيئة التدريس على إثر مشاركتهم في الفعاليات الاحتجاجية أو التعبير عن رأيهم وموقفهم الرافض للحرب.
ودعت الحركات الطلابية في بعض الجامعات، إلى توسيع الأهداف بالإضافة إلى مناهضة الصهيونية، إلى مناهضة العنصرية، ومناهضة الاستعمار، ومعاداة الإمبريالية، وحقوق السكان الأصليين.
رفع الطلاب في جامعة كولومبيا، شعارات ثورية ماويّة، وعلّقوها داخل قاعات التدريس في الجامعة، واستضافوا الصحفي الفلسطيني معتز عزايزة، الذي أثنى على فعالياتهم التضامنية، التي تؤكد أن القضية الفلسطينية قضية إنسانية، وأن التضامن معها ليس في الوطن العربي والعالم الاسلامي فقط، وإنما في جميع أنحاء العالم.
موقف إدارات الجامعات:
تنوعت مواقف إدارات الجامعات في التعامل مع المحتجين من طلابها، بين من استخدم منهم القوّة المفرطة، ومن استخدم القوة الناعمة، لكنهم جميعاً تعاملوا مع الطلاب بقمع فعالياتهم ومنعهم عن التعبير عن موقفهم وغضبهم، وبرّرت إدارة الجامعات موقفها ذلك بإنفاذ القانون، ومنع معاداة الساميّة.
جامعة كولومبيا على سبيل المثال، أوقفت عشرات الطلاب، واستعانت رئيسة الجامعة مينوش شفيق بالسلطات التي استدعت قوات الأمن والجيش وفضّوا الاعتصام بالقوّة، وأُلقوا القبض على أكثر من مئة متظاهر، وعلّلت شفيق قرارها بإن المخيم انتهك القواعد المناهضة للاحتجاجات غير المصرّح بها.
وفي جامعة بيل اعتقلت الشرطة أكثر من 60 طالبًا، كما وجهت إدارة الجامعة العقوبات لمعظم الطلاب المشاركين في الاحتجاجات والتي تصل حدّ الفصل من الجامعة.
أمّا جامعة نيويورك فقد استدعت الشرطة التي بدورها اعتقلت 120 طالباً وعضو هيئة تدريس شاركوا في الاعتصام، وبرّرت إدارة الجامعة تصرفها بأنّ المحتجين يؤثرون على أمن وسلامة المجتمع.
وفضّت شرطة لويزيانا اعتصام الطلاب في جامعة تولين، واعتقلت ستة طلاب بتهمة التجاوز ومقاومة الاعتقال.
واختارت رئيسة جامعة كاليفورنيا الجنوبية، كارول فولت، خيار الحوار مع الطلاب المحتجين، لمحاولة اقناعهم أو الوصول إلى حلول تحفظ للطلاب حقهم في التعبير، وتحافظ على سير العملية التعليمية في الجامعة.
أمّا في جامعة فيرجينيا كومونولث، فقد تداول ناشطون على مواقع السوشيال ميديا مقاطع فيديو يظهر فيها أفراد من فرقة مكافحة الشغب وهم يلقون القبض على طلاب ويرمون أحدهم على الأرض.

تأثر الحياة الجامعية وتفاعل المجتمع:
اعتمدت العديد من الجامعات نظام التعليم عن بعد، مثلما فعلت جامعة كاليفورنيا، أو التعليم الهجين الذي يجمع بين الحضور الوجاهي والتعلم عن بعد، مثلما فعلت إدارة جامعة كولومبيا، أما جامعة ميشيجان سمحت لطلابها بحرية التعبير والاحتجاج السلمي بشرط عدم تعطّل الدراسة.
وقد أبدى أهالي الطلاب إمتعاضهم من سلوك إدارات الجامعات مع أبنائهم، كما أظهرت منظمات حقوق الإنسان قلقها إزاء تراجع مؤشر الحريات والتعبير عن الرأي داخل حرم الجامعات.

تاريخ الاحتجاجات الطلابيّة، فيتنام مثلاً :
الاحتجاجات الطلابية ليست وليدة اللحظة، وإنما هي قديمة جديدة متطوّرة في وسائلها وأساليبها، ثابتة راسخة في مبادئها وقيمها.
الحركة الطلابية المناهضة لحرب فيتنام على سبيل المثال، أحدثت تغييرًا في نظام التجنيد في الجيش الأمريكي، وتسببت بعاصفة تغيير ثقافية داخل المجتمع الأمريكي.
حرب فيتنام التي خاضت خلالها القوات التابعة لفيتنام الشمالية معارك التحرر ضد المحتل الأمريكي، دخلت مرحلة الحسم عام 1968م، حيث اتجهت النتائج لصالح القوّات الأمريكية، واكتشف الرأي العام الأمريكي أن إدارة الرئيس السابق جونسون كانت تكذب عليهم.
وبدأت تتسرب الصور على يد مجموعة من الصحفيين، وتنتشر في وسائل الإعلام الغربية، والتي تُظهر حجم القتل والدمار ضد المدنيين العزّل، والتي بدأت على إثرها حركة الاحتجاجات الطلابية والتي أدت إلى وقف الحرب.
وبعد نحو خمسة عقود، يتكرر الأمر في غزة، لكن بتوفر فضاء الكتروني يسمح بتدفق المعلومات ويكشف الحقائق والأحداث فور وقوعها.
فالعالم اليوم يقف أمام حرب إبادة تمارسها آلة القتل الصهيونية ضد شعب أعزل في بقعة جغرافية محدودة، ويرون بأمّ أعينهم الضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ، والمجاعة التي تستشري في عموم القطاع.
يقول تشارلز كيسر المراسل السابق لجريدة نيويويرك تايمز خلال حرب فيتنام: الصور التي رآها الجميع في غزة مؤخرًا تكشف استخداماً غير مناسب للقوة من الجيش الإسرائيلي، ونتج عنها أكبر حملة رأيتها في حياتي من الكراهية والعداء ضد "إسرائيل"، ولعلّ هذا هو سبب المظاهرات التي يقارنها الكثيرون بالمظاهرات المناهضة لحرب فيتنام.
ويُذكر أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يشنّ منذ السابع من اكتوبر من العام الماضي، عدواناً وحشيّاً على قطاع غزة، وسط مطالب دولية بوقف الحرب، وحماية المدنيين الأبرياء.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :