ذكرى وعد بلفور


عمانيات - يصادف اليوم السبت، الثاني من نوفمبر، الذكرى الـ107 لصدور إعلان بلفور المشؤوم، الذي منحت بموجبه بريطانيا الحق لليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين.

وتضمنت رسالة وزيرة الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور إلى البارون وولتر روتشيلد البريطاني اليهودي الصهيوني، المؤرخة بتاريخ ٢ تشرين الثاني/ نوفمبر عام ١٩١٧، ١١٧ كلمة فقط، ولكنها حوت في داخلها وعدًا صريحًا من الإمبراطورية البريطانية، إلى اليهود الصهاينة (كما جاء في الرسالة نفسها)، بإقامة وطن قومي لليهود، وذلك عن طريق تسهيل ذلك بكل قوتها، شرط أن لا يضر ذلك بحقوق المواطنين غير اليهود في فلسطين (حسب نص الرسالة). وأكد بلفور في تصريحه أن الأمر كان قد عرض على الحكومة، وتمت موافقتها عليه.
تم النشر عن هذا الوعد أو التصريح بعد أسبوع واحد من إصداره، أي في ٩ تشرين الثاني/ نوفمبر ١٩١٧، في جريدة "جويش كرونيكل" الصادرة في لندن، وذلك بعد يومين فقط من دخول قوات اللنبي إلى غزة، وقبل أن تحتل بريطانيا باقي فلسطين، لأنها، أي بريطانيا، كانت قد شعرت بالنجاح في حملتها، فقامت بتقديم وعد إلى اليهود بالسيطرة على أراضي شعب آخر، أي حسب تعبير الصهيوني "آرثر كيسلر"، أن تصريح بلفور هو وعد شعب بصورة رسمية، لشعب آخر بإعطائه أرض شعب ثالث. لكن الشعب الثالث، صاحب الأرض الأصلي، ليس له وجود حسب رسالة بلفور، فهو يذكر في رسالته المواطنين غير اليهود وليس الشعب الفلسطيني الذي كان يشكل أكثر من ٩٤٪ ؜ من السكان، أما اليهود فوصفهم بالشعب، وهو بذلك يتبنى بالمطلق شعارات الصهيونية بضرورة إنشاء وطن قومي لشعب بلا أرض على أرض بلا شعب.
وصلت أنباء وعد بلفور الى فلسطين متأخرة، بسبب إغلاق الصحف بسبب الحرب العالميّة الأولى، وحظر المحتل البريطاني أي نشر عن التصريح لمدة عامين. ناهيك عن الوضع المتردي في فلسطين بعد الحرب، بسبب النقص الحاد في الغذاء، وبسبب تأثيرات الحرب الكبيرة. ولكن سرعان ما تغيرت الأمور وبدأ الفلسطينيون في تنظيم أنفسهم في جمعيات عربية، تقوم بنشاطات من أجل التوعية من خطر الحركة الصهيونية، ومن ثم نظمت الجمعيات مظاهرات معادية للصهيونية في أكثر من مرة في القدس وبحضور عشرات الآلاف. وفي الرابع من نيسان / أبريل ١٩٢٠، وخلال احتفالات موسم النبي موسى، انطلقت مظاهرة ضخمة في القدس، تبعتها صدامات مع اليهود استمرت لمدة أربعة أيام. وكان سبب الصدامات هو تحرش العصابات الصهيونية التي نظمها "زئيف جابوتنسكي" بالمتظاهرين. كانت هذه انتفاضة العرب الأولى ضد الصهيونية ومشروع وعد بلفور، في يسمى انتفاضة موسم النبي موسى أو انتفاضة ١٩٢٠، وسقط فيها قتلى وجرحى من الطرفين العربي واليهودي، حيث قتل ٥ من اليهود و ٤ من العرب، وجرح أكثر من ٢٠٠ يهودي و ٢٣ عربيًا.

وصلت أنباء هذه الانتفاضة إلى مؤتمر "سان ريمو" للسلام، الذي قرر أن يمنح بريطانيا الحق في انتداب فلسطين، بدل أن يرفض سياساتها التي تتماشى مع روح وعد بلفور، لكن أحداثًا أخرى جرت قبل أن يصادق مجلس عصبة الأمم على نظام الانتداب في فلسطين.

في يافا، وفي بداية أيار / مايو ١٩٢١، انطلقت انتفاضة أخرى أكبر وأشد، واستمرت لأكثر من أسبوع، وقد اختلفت هذه الانتفاضة عن سابقتها، بأنها لم تقتصر على مدينة يافا فقط، بل تجاوزتها إلى أماكن أخرى في فلسطين، وراح ضحيتها ٤٨ شهيدًا فلسطينيًا، وحوالي ٤٧ قتيلًا بريطانيًا وصهيونيًا.

من ناحية أخرى، نظمت مجموعات عربية مسلحة هجمات على مستعمرات صهيونية تقع شمال سهل الحولة، وهي المطلة و"كفار چلعادي" و"تل حاي" و"حمّارة"، مما أدّى إلى تصفية الاستيطان اليهودي في شمالي سهل الحولة، ولو إلى حين، حيث أخليت جميع هذه المستعمرات حتى آذار / مارس ١٩٢٠، بعد معركة في مستعمرة "تل حاي" أدت إلى إخلاء المستعمرة نفسها و"كفار چلعادي"، بعد أن كانت المستوطنتان "حمارة" والمطلة قد سقطتا في شهر كانون الثاني / يناير ١٩٢٠.

الكتاب الأبيض وصك الانتداب البريطاني ١٩٢٢

بعد أحداث وانتفاضة يافا، قامت بريطانيا بتعيين لجنة ملكية لتقصي حقائق ما جرى في انتفاضة يافا، برئاسة "السير توماس هايكرافت"، ونشرت اللجنة تقريرها في حزيران / يونيو ١٩٢١، وعلى إثر ذلك قام "وينستون تشرتشل" وزير المستعمرات البريطاني بإصدار الكتاب الأبيض الأول في ٢٤ حزيران / يونيو ١٩٢٢، والذي حاول فيه أن يشرعن ما تضمنه وعد بلفور بشأن إقامة الوطن اليهودي، مع تحفظات من السرعة والطريقة التي تنتهجها الصهيونية من أجل تنفيذ هذا الوعد، حيث إن الكتاب الأبيض كان قد اعتبر أن إقامة الوطن اليهودي حسب وعد بلفور، لا يعني تحويل فلسطين إلى يهودية بالكامل، أو فرض الجنسية اليهودية على أهالي فلسطين، بل جعل فلسطين مركزًا دينيًا وقوميًا للشعب اليهودي، عن طريق تلقي المساعدات من يهود العالم. وأشار الكتاب إلى أن وجود اليهود في فلسطين هو حق وليس منّة من أحد، وهذا الوجود يستند إلى صلة تاريخية قديمة.
أما بخصوص الهجرة، فقد أقر الكتاب بضرورة استمرارها، لأنها الضمانة الأساسية لإقامة الوطن اليهودي، ولكن بوتيرة لا تجعل "المهاجرين عالة على أهالي فلسطين عمومًا، وعدم حرمان أي فئة من السكان الحاليين من أشغالها"، كما جاء في نص الكتاب الأبيض.

كان وينستون تشرشل في ذلك الحين من المتحمسين لفكرة إقامة الوطن القومي اليهودي، وكان يعتبر نفسه من الضامنين الرئيسيين لتنفيذ وعد بريطانيا عام ١٩١٧.

بعد إصدار الكتاب الأبيض الأول بشهر واحد، صادق مجلس عصبة الأمم على صك الانتداب البريطاني على فلسطين، والذي كان قد أعلن مشروعه بتاريخ ٦ تموز / يوليو ١٩٢١، وصودق عليه نهائيًا في ٢٤ تموز / يوليو ١٩٢٢، وكان هذا الصكّ منحازًا بشكل كبير إلى إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، بل إن وعد بلفور كان مذكورًا في مقدمته بصفته قاعدة مهمة من أجل تحقيق المطلب الصهيونية في أرض فلسطين، و"اعتراف بالصلة التاريخية التي تربط الشعب اليهودي بفلسطين، وبالأسباب التي تبعث على إعادة إنشاء وطنهم القومي في تلك البلاد"، كما جاء في النص. كما أن المادة الرابعة تعترف "بوكالة يهودية ملائمة كهيئة عمومية لإسداء المشورة إلى إدارة فلسطين". وتتحدث المادة السابعة عن تسهيل اكتساب الجنسية الفلسطينية لليهود، وتشير المادة الحادية عشرة إلى إمكانية الاتفاق مع الوكالة اليهودية على "إنشاء أو تسيير الأشغال والمصالح والمنافع العمومية، وترقية مرافق البلاد الطبيعية… الخ". أما المادة الثانية والعشرون، فتقر بأن العبرية هي لغة رسمية في فلسطين بالإضافة إلى العربية والإنجليزية.

لا عجب في وجود هذه البنود التي تضمنها صك الانتداب، إذ إن "حاييم فايتسمان"، الشخصية الصهيونية الأبرز في بريطانيا، كان قد بذل جهودًا كبيرة، مقابل حكومة بريطانيا ومجلس العموم، من أجل التوصل إلى نصّ يتوافق مع المطامح الصهيونية وروح وعد بلفور. وهذا ما كان إذ أقر نص صك الانتداب في مجلس العموم البريطاني عام ١٩١٩، أي قبل أن يوكل مؤتمر "سان ريمو" لبريطانيا انتداب فلسطين.

ليس هذا فحسب، بل إن بريطانيا كانت قد عينت "السير هربرت صموئيل" ليصبح المندوب السامي الأول على أرض فلسطين، وكان هذا وزيرًا سابقًا في حكومات بريطانية، وكان يهوديًا صهيونيًا، ومن المبادرين من أجل إصدار تصريح بلفور. على إثر تعيينه مندوبًا على فلسطين، تم إطلاق سراح معتقلي انتفاضة النبي موسى عام ١٩٢٠.

يمكن هنا اعتبار صك الانتداب بأنه وضع الأسس لإقامة حكومة صهيونية داخل حكومة الانتداب، انطلاقًا من وحي وعد بلفور، ومن أجل أن تقوم هذه الحكومة بتنفيذ الوعد عمليًا على أرض الواقع.

اليهود يثبتون أقدامهم والعرب يحتجون (١٩٢٢ - ١٩٢٩)

كانت الفترة التي امتدت من إعلان صكّ الانتداب، وانفجار الغضب الفلسطيني في أحداث ١٩٢٩، تتسم بالهدوء النسبي الذي يسبق العاصفة، إذ إن مجموع الأحداث في هذه الفترة كانت تؤدي بشكل محتوم إلى التصادم بين الشعب الفلسطيني الذي يعاني الأمرين من بريطانيا من جهة، ومن حليفتها الحركة الصهيونية من جهة أخرى.

ففي هذه الفترة تضاعف عدد اليهود في فلسطين من ٨٣ ألف يهودي عام ١٩٢٢ إلى ١٦٤ ألف يهودي عام ١٩٢٩. وتجدر الإشارة هنا أنه خلال الفترة من عام ١٩٢٥ حتى منتصف عام ١٩٢٨، كانت أعداد اليهود الذي يتركون فلسطين أكثر من أعداد من يهاجرون إليها، بحيث أصبح عددهم ثلاثة أضعاف ما كان عليه في أعقاب نهاية الحرب الكونية الأولى.

كذلك، تضاعفت مساحة الأراضي التي يسيطر عليها اليهود في فلسطين، من ٤٢٠ ألف دونم عام ١٩١٨، إلى حوالي المليون دونم عام ١٩٢٨، وكانت تزداد بشكل دائم. أما المستوطنات اليهودية، فقد زاد عددها من ٧١ مستوطنة عام ١٩٢٢ (تملك ٥٩ ألف دونم)، إلى ٩٦ مستوطنة عام ١٩٢٧ (تملك ٩٠٣ ألف دونم).

هذا التوسع كان على حساب فلاحين عرب عاشوا في قرى صغيرة، وتم تهجيرهم بشكل تام داخل حدود فلسطين، على إثر اقتناء الأراضي التي فتحوها من عائلات إقطاعية من خارج فلسطين، كعائلة سرسق اللبنانية، والتي باعت ٨٠ ألف دونم من مرج ابن عامر للمنظمات الصهيونية.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :