مخيم اليرموك .. سكانه يحلمون بحياة جديدة بعد سقوط نظام الأسد
عمانيات - " دمي فلسطيني وقلبي سوري": هذا هو العنوان الذي كان من الممكن أن يختاره فهمي صالح الموعد (60 عاما) لو طلبت منه كتابة مقال حول مخيم اليرموك الواقع على بعد كيلومترات قليلة فقط من وسط دمشق. عنوان يبرز حسبه المعاناة التي تقاسمها طيلة 60 عاما مع "إخواننا السوريين".
هذا اللاجئ الفلسطيني التي تنحدر عائلته من قرية في الجليل الأعلى بالأراضي الفلسطينية يرتدي دائما كوفية سواد وبيضاء على كتفيه وقبعة عسكرية على رأسه
واكب جميع الأحداث التي شهدتها سوريا ومخيم اليرموك حيث ولد في 1965. بدءا، كما قال، بمحاولة اغتيال رئيس المنظمة الفلسطينية المتوفي ياسر عرفات في 1966 بدمشق من قبل نظام البعث لغاية عمليات القصف "الوحشية" كما وصفها التي نفذتها القوات الجوية السورية على المخيم ابتداء من 2012 بهدف "معاقبة اللاجئين الفلسطينيين الذين اختاروا في غالبيتهم الوقوف بجانب الثورة السورية ودعمها للإطاحة بنظام بشار الأسد".
"العائلات هي التي كانت تحفر الآبار لجلب المياه الباطنية"
يعرف فهمي صالح الموعد عن ظهر القلب تاريخ مخيم اليرموك وكل ركن من أركانه العديدة. فيما احتفظ في مخيلته على صور قديمة تجمعه بوالده ووالدته اللذين غادرا "بشكل قسري" قريتهما الفلسطينية بعد نكبة 1948 واستقرا في مخيم اليرموك بسوريا.
شارع في مخيم اليرموك دمر بالكامل جراء القصف ومبانيه مهددة بالسقوط. سكانه غادروه إلى مناطق أكثر أمنا. رجل يقف حزينا وسط الشارع ويتأمل الخراب. 03 يناير/كانون الثاني 2025.
وقال "في بداية الستينيات من القرن الماضي، كان المخيم يؤوي حوالي 10 آلاف شخص. اللاجئون الفلسطينيون، بمن فيهم والدي وأمي، كانوا يعيشون في ظروف صعبة للغاية. لا كهرباء ولا مياه ولا طرقات أو مواصلات. العائلات هي التي كانت تحفر الآبار لجلب المياه الباطنية. لم تلق الدعم من أية جهة، سواء كانت من قبل الحكومة السورية أنداك أو من المنظمات الإنسانية".
المخيم أنشأ نفسه بنفسه بعيدا عن الدعم الحكومي. الفلسطينيون الذين شردوا من قراهم هم الذين أسسوا شركات ومصانع وفتحوا محلات لبيع الذهب والألبسة والمواد الاستهلاكية في السبعينيات والثمانينيات. لم يكن هناك أي دعم خارجي، عدا من منظمة الأونروا (وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) التي بنت مدارس ومستشفيات وعيادات صحية".
جيش حافظ الأسد يحاصر مخيم اليرموك في 1983
ولن ينسى فهمي صالح الموعد اليوم الذي حاصر فيه الجيش السوري المخيم بالدبابات من جميع الجهات والمداخل في 1983 والمجازر الأولى التي ارتكبها في حق بعض اللاجئين الفلسطينيين على خلفية الصراع المسلح الذي نشب داخل المخيم بين فصائل فلسطينية مساندة لنظام الرئيس حافظ الأسد وأخرى كانت تدعم ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية.
وتابع: "خلال هذا الحصار، قام الجيش السوري بتفتيش جميع المنازل واعتقل الكثير من الفلسطينيين الموالين لحركة فتح وزج بهم في سجن المزة الواقع قرب المطار العسكري بدمشق قبل أن ينقلهم إلى سجن صيدنايا الذي كان في صدد البناء في تلك الفترة. فيمكن القول اليوم بأن من بين السجناء الأوائل الذين اعتقلوا في هذا المسلخ البشري، غالبيتهم فلسطينيون، ومن بينهم السفير الفلسطيني الحالي في سوريا الدكتور سمير الرفاعي".
الخراب هو العنوان الأبرز لمخيم اليرموك
وفي أعقاب "مجزرة" حماة كما وصفها فهمي صالح الموعد، والتي نفذها الجيش السوري لقمع انتفاضة الإخوان المسلمين الذين تظاهروا في المدينة في العام 1982، وصلت ارتدادات هذا الحادث إلى مخيم اليرموك حيث قامت قوات حافظ الأسد بمحاصرته واعتقال عدد لا يحصى من اللاجئين الفلسطينيين بحجة أنهم ساندوا الإخوان المسلمين ووقفوا إلى جانبهم"، موضحا أن "أي حدث كان يقع في ذلك الوقت بسوريا أو بفلسطين أو لبنان، فكانت تأثيراته وانعكاساته تصل دائما إلى مخيم اليرموك وبسرعة".
مخيم اليرموك عبارة عن مدينة صغيرة متعددة الأطراف. مبانيها دمرت بنسبة 70 بالمائة تقريبا من قبل نظام الأسد منذ بداية الثورة السورية في 2011.
الخراب هو العنوان الأبرز لهذا التجمع السكني الذي أصبح خارجا عن الخدمة. الطرقات مدمرة والمباني تحولت إلى أنقاض جراء القصف. الشوارع أفرغت من ساكنيها الذين لم يعودوا بعد بسبب انعدام أدنى مقومات الحياة، على غرار المياه والكهرباء والطرقات. فيما تواجه العمارات خطر الانهيار في أية لحظة بسبب الفجوات الكبيرة التي أحدثها القصف المستمر.
مخيم اليرموك أو "غزة الصغيرة"
عندما تتجول في شوارع المخيم العريضة، ينتابك الحزن والألم نظرا لحجم الدمار الذي لحق به. فهو يشبه إلى حد كبير الدمار الذي لحق بقطاع غزة اليوم.
فعدا عن بعض الأطفال الصغار الذين يقضون يومهم باللعب على أرجوحة في حديقة قريبة من مسجد عبد القادر الحسيني وقلة قليلة فقط من السكان الذين يتجولون في الشوارع التي تعج بالقمامات وكل أنواع الأوساخ، لا ترى سواء كلابا صغيرة تتجول من مبنى إلى آخر بحثا عن الطعام والمياه.
تبلغ مساحة المخيم حوالي 2 كيلومتر مربع ويقع على بعد 7 كيلومترات من مركز العاصمة دمشق. كان موطنا لعدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين الذين غادروا أراضيهم وقراهم بعد نكبة 1948.
تم تأسيسه في 1957 وأصبح يلقب بـ"غزة الصغيرة". أما عدد المقيمين فيه وفي المناطق المجاورة له، فلقد وصل في بداية الألفية إلى أكثر من مليون ساكن، وفق وكالة الأونروا، من بينهم 600 ألف سوري و400 ألف فلسطيني.
أطفال ضحايا البراميل المتفجرة التي استهدفت مسجد عبد القادر الحسيني
ينقسم المخيم إلى ثلاثة أحياء كبرى، وهم حي الفالوجة والكرمل وحي حطين يفصل بينهما ثلاثة شوارع رئيسية، وهم شارع فلسطين الطويل وشارع "لوبية" وشارع صفد الذي كان يعج بالمحلات التجارية والمصانع والسيارات والشاحنات التي كانت تنقل يوميا التجار والزبائن من دمشق إلى المخيم لشراء حاجياتهم الأساسية.
وبدأ المخيم يواجه مأساة حقيقة في 2012 بعد اندلاع الثورة السورية وخيار غالبية اللاجئين الفلسطينيين الوقوف بجانب الثوار السوريين ومساندتهم من أجل إسقاط نظام بشار الأسد. ما جعل هذا الأخير يشن ضربات جوية على المخيم إحدى أعنفها استهدفت مسجد عبد القادر الحسيني بالبراميل المتفجرة، وكان ذلك في 16 ديسمبر/كانون الأول 2012، وأدت إلى مقتل المئات من النازحين السوريين الذين كانوا يتواجدون بداخله، إضافة إلى أطفال كانوا يلعبون في حديقة متلاصقة مع المسجد.
يعتبر مسجد عبد القادر الحسيني من بين أكبر المساجد في المخيم ويتسع لحوالي 3000 مصلٍّ ومصلية.
وتتذكر جيدا أم منى فهمي، وهي عمة فهمي صالح الموعد، قوة الانفجار والرعب الذي زرعه في نفوس السكان. ما جعلهم يهربون في جميع الاتجاهات، وسط صراخ مخيف، تاركين وراءهم منازلهم وممتلكاتهم وبحثا على أماكن أكثر أمنا في ضواحي دمشق.
أم منى فهمي كانت من بين الهاربين من القصف. عاشت خارج المخيم من 2012 إلى غاية 2021. وعندما عادت إلى منزلها، وجدته مدمرا بالكامل. فكان يتوجب عليها أن تبنيه وتعمره من جديد.
وروت "حتى الجدران كانت مدمرة والشبابيك والأبواب والنوافذ مسروقة. قمت بإعادة بنائه من جديد. استغرق ذلك وقتا طويلا".
وعندما سألناها لماذا عادت إلى مخيم مدمر، أجابت: "لم أكن أستطيع أن أدفع ثمن الإيجار لشقة صغيرة في دمشق. الأسعار ارتفعت بشكل جنوني ووصلت إلى حد الملايين. وأنا ليس لدي مدخول لأدفع كل هذه الأموال. ففضلت العودة إلى المخيم على الرغم من عدم توفر أدنى مقومات الحياة، مثل الكهرباء والمياه والمراحيض عن البقاء في شقة لا أستطيع أدفع إيجارها".
"القصف بالصواريخ والبراميل المتفجرة لم يتوقف من عام 2012 لغاية 2018"
وواصلت أم منى: "لا أحد ساعدنا بشيء. لا مؤسسات ولا بلديات. الناس فقط بنوا بمفردهم من جديد منازلهم ونظفوها"، مشيرة إلى أنه "على الرغم من الدمار الذي لحق بالمخيم، لكنني شعرت بالفرحة عندما عدت إلى بيتي وسكنت فيه من جديد".
وأنهت:" لم أفكر يوما ما أن أغادر المخيم لأسكن في مدينة سورية أخرى، مثل حلب أو إدلب أو طرطوس لأنني دمشقية والمخيم يسكن قلبي"، متمنية في نفس الوقت أن يتحقق حلمها الأعلى وهو أن "أعود في يوم من الأيام إلى بلادي فلسطين وإلى قريتي في منطقة الصفورية".
من جهته، يعتقد فهمي صالح الموعد أن النظام السوري قصف المخيم بحجة أن سكانه (يقصد اللاجئين الفلسطينيين) لا سيما أولئك الذين ينتمون إلى لواء بيت المقدس الذي كان يساند حركة حماس وفقه، كانوا يدعمون الثورة السورية بهدف إسقاطه، مشيرا إلى "أن القصف بالصواريخ والبراميل المتفجرة لم يتوقف من عام 2012 لغاية 2018".
وإضافة إلى هذا، تم إغلاق المخيم نهائيا في 2013، إذ لم يكن أي شخص يستطيع الدخول إليه أو الخروج منه. مما كان ينذر بوقوع مجاعة.
"بعض العائلات كانت تأكل لحوم القطط والكلاب"
وقال فهمي صالح: "في بداية الحصار كانت أغلب البيوت لا تزال تملك مواد غذائية. الوضع استمر على حاله حتى بداية العام 2014 حين بدأت علامات المجاعة تظهر في المخيم بسبب نفاذ المواد الغذائية المخزونة وأصبحنا نعاني من نقص في المياه، إذ كانت حصتنا لا تتجاوز ساعة. الأدوية أصبحت غير متوفرة وأسعار المواد الغذائية سجلت ارتفاعا فاحشا".
وفي سؤال كيف كانت المعيشة خلال الحصار الذي فرضه الجيش السوري، أجاب: "بعض الناس كانوا يأكلون بعض الأعشاب، مثل عشبة رجل العصفور على الرغم من المخاطر الصحية التي تسببها وكذلك ورقة الصبار. هناك حتى من أكل لحوم القطط والكلاب. وأنا شخصيا رأيت عائلات تأكل لحوم هذه الحيوانات من شدة المجاعة. أكثر من 150 شخصا ماتوا بسبب المجاعة في المخيم الذي كان يقصف في بعض الأحيان بشكل عشوائي ليومين متواصلين".
"في زمن بشار الأسد، كنا ندفع رشاوي حتى لدفن موتانا"
خلال الحصار، كان فهمي صالح الموعد مكلفا بمراقبة المنازل والممتلكات في المخيم كي لا تتعرض للسرقة والنهب. كما كان أيضا يحاول مساعدة العائلات التي لديها أطفال صغار كي لا يموتوا جوعا. لكن "على الرغم من ذلك عدد كبير منهم مات بسبب نقص الأدوية أو أصيب بأمراض مستعصية. نفس المصير لحق بكبار السن إذ مات الكثير منهم كونهم لم يتحملوا سنوات الحصار" وفقه.
من جهته يعتقد أخو أم منى أن "الأيادي التي دمرت مخيم اليرموك هي نفسها التي دمرت غزة"، منوها إلى أن "النظام السوري السابق كان أفظع وأبشع من النظام الإسرائيلي. هذا الأخير لم يقم بتدمير غزة إلا بعدما رأى ما قام به نظام الأسد في مخيم اليرموك ثم قلده".
وعلى الرغم من كل المعاناة والمآسي، سطعت بارقة أمل على مخيم اليرموك مع سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024. فيما تتمنى أم منى أن يعود المخيم كما كان عليه قبل الحرب وتنبت الزهور من جديد في بساتينه.
وقالت: "صحيح ألا شيء تغير منذ سقوط بشار الأسد في المخيم، لكن حالتنا النفسية تحسنت. أصبح الناس يخرجون ويدخلون دون أي مشكل ونشعر بأريحية كبيرة". وأضاف ابن أخيها فهمي صالح، في "السابق كنا ندفع المال لمجرد أن نفتح دكانا أو نبني جدارا. حتى لدفن أمواتنا، كانوا (يقصد مسؤولون في النظام السابق) يطلبون منا دفع مبلغ مالي".
مدرسة واحدة من بين 26 بقيت في الخدمة
وإلى ذلك، دعت أم منى وكالة الأونروا إلى التكفل من جديد بالمخيم وإعادة بناء المدارس والمستشفيات وتنظيف الطرق وتحسين ظروف العيش فيه خاصة وأن عددا كبير من اللاجئين سيعودون ربما قريبا إلى منازلهم.
وتابعت: "الطيران السوري دمر البنية التحتية. في السابق كان المخيم يضم 26 مدرسة. أما اليوم واحدة فقط بقيت في الخدمة. نفس الشيء بالنسبة للمستشفيات والعيادات والمخابز والمتاجر".
وبالرغم من أن سكان مخيم اليرموك لم يتواصلوا بعد مع السلطات الجديدة، إلا أنهم يتمنون أن يعود التغيير الذي وقع في سوريا بالخير عليهم وعلى حياتهم ويتمكنوا من اصلاح وترميم كل ما هدمه بشار الأسد لتبدأ حياة جديدة وسعيدة لغاية "تحرير فلسطين" والعودة إلى الديار...عن (فرانس24)
هذا اللاجئ الفلسطيني التي تنحدر عائلته من قرية في الجليل الأعلى بالأراضي الفلسطينية يرتدي دائما كوفية سواد وبيضاء على كتفيه وقبعة عسكرية على رأسه
واكب جميع الأحداث التي شهدتها سوريا ومخيم اليرموك حيث ولد في 1965. بدءا، كما قال، بمحاولة اغتيال رئيس المنظمة الفلسطينية المتوفي ياسر عرفات في 1966 بدمشق من قبل نظام البعث لغاية عمليات القصف "الوحشية" كما وصفها التي نفذتها القوات الجوية السورية على المخيم ابتداء من 2012 بهدف "معاقبة اللاجئين الفلسطينيين الذين اختاروا في غالبيتهم الوقوف بجانب الثورة السورية ودعمها للإطاحة بنظام بشار الأسد".
"العائلات هي التي كانت تحفر الآبار لجلب المياه الباطنية"
يعرف فهمي صالح الموعد عن ظهر القلب تاريخ مخيم اليرموك وكل ركن من أركانه العديدة. فيما احتفظ في مخيلته على صور قديمة تجمعه بوالده ووالدته اللذين غادرا "بشكل قسري" قريتهما الفلسطينية بعد نكبة 1948 واستقرا في مخيم اليرموك بسوريا.
شارع في مخيم اليرموك دمر بالكامل جراء القصف ومبانيه مهددة بالسقوط. سكانه غادروه إلى مناطق أكثر أمنا. رجل يقف حزينا وسط الشارع ويتأمل الخراب. 03 يناير/كانون الثاني 2025.
وقال "في بداية الستينيات من القرن الماضي، كان المخيم يؤوي حوالي 10 آلاف شخص. اللاجئون الفلسطينيون، بمن فيهم والدي وأمي، كانوا يعيشون في ظروف صعبة للغاية. لا كهرباء ولا مياه ولا طرقات أو مواصلات. العائلات هي التي كانت تحفر الآبار لجلب المياه الباطنية. لم تلق الدعم من أية جهة، سواء كانت من قبل الحكومة السورية أنداك أو من المنظمات الإنسانية".
المخيم أنشأ نفسه بنفسه بعيدا عن الدعم الحكومي. الفلسطينيون الذين شردوا من قراهم هم الذين أسسوا شركات ومصانع وفتحوا محلات لبيع الذهب والألبسة والمواد الاستهلاكية في السبعينيات والثمانينيات. لم يكن هناك أي دعم خارجي، عدا من منظمة الأونروا (وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) التي بنت مدارس ومستشفيات وعيادات صحية".
جيش حافظ الأسد يحاصر مخيم اليرموك في 1983
ولن ينسى فهمي صالح الموعد اليوم الذي حاصر فيه الجيش السوري المخيم بالدبابات من جميع الجهات والمداخل في 1983 والمجازر الأولى التي ارتكبها في حق بعض اللاجئين الفلسطينيين على خلفية الصراع المسلح الذي نشب داخل المخيم بين فصائل فلسطينية مساندة لنظام الرئيس حافظ الأسد وأخرى كانت تدعم ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية.
وتابع: "خلال هذا الحصار، قام الجيش السوري بتفتيش جميع المنازل واعتقل الكثير من الفلسطينيين الموالين لحركة فتح وزج بهم في سجن المزة الواقع قرب المطار العسكري بدمشق قبل أن ينقلهم إلى سجن صيدنايا الذي كان في صدد البناء في تلك الفترة. فيمكن القول اليوم بأن من بين السجناء الأوائل الذين اعتقلوا في هذا المسلخ البشري، غالبيتهم فلسطينيون، ومن بينهم السفير الفلسطيني الحالي في سوريا الدكتور سمير الرفاعي".
الخراب هو العنوان الأبرز لمخيم اليرموك
وفي أعقاب "مجزرة" حماة كما وصفها فهمي صالح الموعد، والتي نفذها الجيش السوري لقمع انتفاضة الإخوان المسلمين الذين تظاهروا في المدينة في العام 1982، وصلت ارتدادات هذا الحادث إلى مخيم اليرموك حيث قامت قوات حافظ الأسد بمحاصرته واعتقال عدد لا يحصى من اللاجئين الفلسطينيين بحجة أنهم ساندوا الإخوان المسلمين ووقفوا إلى جانبهم"، موضحا أن "أي حدث كان يقع في ذلك الوقت بسوريا أو بفلسطين أو لبنان، فكانت تأثيراته وانعكاساته تصل دائما إلى مخيم اليرموك وبسرعة".
مخيم اليرموك عبارة عن مدينة صغيرة متعددة الأطراف. مبانيها دمرت بنسبة 70 بالمائة تقريبا من قبل نظام الأسد منذ بداية الثورة السورية في 2011.
الخراب هو العنوان الأبرز لهذا التجمع السكني الذي أصبح خارجا عن الخدمة. الطرقات مدمرة والمباني تحولت إلى أنقاض جراء القصف. الشوارع أفرغت من ساكنيها الذين لم يعودوا بعد بسبب انعدام أدنى مقومات الحياة، على غرار المياه والكهرباء والطرقات. فيما تواجه العمارات خطر الانهيار في أية لحظة بسبب الفجوات الكبيرة التي أحدثها القصف المستمر.
مخيم اليرموك أو "غزة الصغيرة"
عندما تتجول في شوارع المخيم العريضة، ينتابك الحزن والألم نظرا لحجم الدمار الذي لحق به. فهو يشبه إلى حد كبير الدمار الذي لحق بقطاع غزة اليوم.
فعدا عن بعض الأطفال الصغار الذين يقضون يومهم باللعب على أرجوحة في حديقة قريبة من مسجد عبد القادر الحسيني وقلة قليلة فقط من السكان الذين يتجولون في الشوارع التي تعج بالقمامات وكل أنواع الأوساخ، لا ترى سواء كلابا صغيرة تتجول من مبنى إلى آخر بحثا عن الطعام والمياه.
تبلغ مساحة المخيم حوالي 2 كيلومتر مربع ويقع على بعد 7 كيلومترات من مركز العاصمة دمشق. كان موطنا لعدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين الذين غادروا أراضيهم وقراهم بعد نكبة 1948.
تم تأسيسه في 1957 وأصبح يلقب بـ"غزة الصغيرة". أما عدد المقيمين فيه وفي المناطق المجاورة له، فلقد وصل في بداية الألفية إلى أكثر من مليون ساكن، وفق وكالة الأونروا، من بينهم 600 ألف سوري و400 ألف فلسطيني.
أطفال ضحايا البراميل المتفجرة التي استهدفت مسجد عبد القادر الحسيني
ينقسم المخيم إلى ثلاثة أحياء كبرى، وهم حي الفالوجة والكرمل وحي حطين يفصل بينهما ثلاثة شوارع رئيسية، وهم شارع فلسطين الطويل وشارع "لوبية" وشارع صفد الذي كان يعج بالمحلات التجارية والمصانع والسيارات والشاحنات التي كانت تنقل يوميا التجار والزبائن من دمشق إلى المخيم لشراء حاجياتهم الأساسية.
وبدأ المخيم يواجه مأساة حقيقة في 2012 بعد اندلاع الثورة السورية وخيار غالبية اللاجئين الفلسطينيين الوقوف بجانب الثوار السوريين ومساندتهم من أجل إسقاط نظام بشار الأسد. ما جعل هذا الأخير يشن ضربات جوية على المخيم إحدى أعنفها استهدفت مسجد عبد القادر الحسيني بالبراميل المتفجرة، وكان ذلك في 16 ديسمبر/كانون الأول 2012، وأدت إلى مقتل المئات من النازحين السوريين الذين كانوا يتواجدون بداخله، إضافة إلى أطفال كانوا يلعبون في حديقة متلاصقة مع المسجد.
يعتبر مسجد عبد القادر الحسيني من بين أكبر المساجد في المخيم ويتسع لحوالي 3000 مصلٍّ ومصلية.
وتتذكر جيدا أم منى فهمي، وهي عمة فهمي صالح الموعد، قوة الانفجار والرعب الذي زرعه في نفوس السكان. ما جعلهم يهربون في جميع الاتجاهات، وسط صراخ مخيف، تاركين وراءهم منازلهم وممتلكاتهم وبحثا على أماكن أكثر أمنا في ضواحي دمشق.
أم منى فهمي كانت من بين الهاربين من القصف. عاشت خارج المخيم من 2012 إلى غاية 2021. وعندما عادت إلى منزلها، وجدته مدمرا بالكامل. فكان يتوجب عليها أن تبنيه وتعمره من جديد.
وروت "حتى الجدران كانت مدمرة والشبابيك والأبواب والنوافذ مسروقة. قمت بإعادة بنائه من جديد. استغرق ذلك وقتا طويلا".
وعندما سألناها لماذا عادت إلى مخيم مدمر، أجابت: "لم أكن أستطيع أن أدفع ثمن الإيجار لشقة صغيرة في دمشق. الأسعار ارتفعت بشكل جنوني ووصلت إلى حد الملايين. وأنا ليس لدي مدخول لأدفع كل هذه الأموال. ففضلت العودة إلى المخيم على الرغم من عدم توفر أدنى مقومات الحياة، مثل الكهرباء والمياه والمراحيض عن البقاء في شقة لا أستطيع أدفع إيجارها".
"القصف بالصواريخ والبراميل المتفجرة لم يتوقف من عام 2012 لغاية 2018"
وواصلت أم منى: "لا أحد ساعدنا بشيء. لا مؤسسات ولا بلديات. الناس فقط بنوا بمفردهم من جديد منازلهم ونظفوها"، مشيرة إلى أنه "على الرغم من الدمار الذي لحق بالمخيم، لكنني شعرت بالفرحة عندما عدت إلى بيتي وسكنت فيه من جديد".
وأنهت:" لم أفكر يوما ما أن أغادر المخيم لأسكن في مدينة سورية أخرى، مثل حلب أو إدلب أو طرطوس لأنني دمشقية والمخيم يسكن قلبي"، متمنية في نفس الوقت أن يتحقق حلمها الأعلى وهو أن "أعود في يوم من الأيام إلى بلادي فلسطين وإلى قريتي في منطقة الصفورية".
من جهته، يعتقد فهمي صالح الموعد أن النظام السوري قصف المخيم بحجة أن سكانه (يقصد اللاجئين الفلسطينيين) لا سيما أولئك الذين ينتمون إلى لواء بيت المقدس الذي كان يساند حركة حماس وفقه، كانوا يدعمون الثورة السورية بهدف إسقاطه، مشيرا إلى "أن القصف بالصواريخ والبراميل المتفجرة لم يتوقف من عام 2012 لغاية 2018".
وإضافة إلى هذا، تم إغلاق المخيم نهائيا في 2013، إذ لم يكن أي شخص يستطيع الدخول إليه أو الخروج منه. مما كان ينذر بوقوع مجاعة.
"بعض العائلات كانت تأكل لحوم القطط والكلاب"
وقال فهمي صالح: "في بداية الحصار كانت أغلب البيوت لا تزال تملك مواد غذائية. الوضع استمر على حاله حتى بداية العام 2014 حين بدأت علامات المجاعة تظهر في المخيم بسبب نفاذ المواد الغذائية المخزونة وأصبحنا نعاني من نقص في المياه، إذ كانت حصتنا لا تتجاوز ساعة. الأدوية أصبحت غير متوفرة وأسعار المواد الغذائية سجلت ارتفاعا فاحشا".
وفي سؤال كيف كانت المعيشة خلال الحصار الذي فرضه الجيش السوري، أجاب: "بعض الناس كانوا يأكلون بعض الأعشاب، مثل عشبة رجل العصفور على الرغم من المخاطر الصحية التي تسببها وكذلك ورقة الصبار. هناك حتى من أكل لحوم القطط والكلاب. وأنا شخصيا رأيت عائلات تأكل لحوم هذه الحيوانات من شدة المجاعة. أكثر من 150 شخصا ماتوا بسبب المجاعة في المخيم الذي كان يقصف في بعض الأحيان بشكل عشوائي ليومين متواصلين".
"في زمن بشار الأسد، كنا ندفع رشاوي حتى لدفن موتانا"
خلال الحصار، كان فهمي صالح الموعد مكلفا بمراقبة المنازل والممتلكات في المخيم كي لا تتعرض للسرقة والنهب. كما كان أيضا يحاول مساعدة العائلات التي لديها أطفال صغار كي لا يموتوا جوعا. لكن "على الرغم من ذلك عدد كبير منهم مات بسبب نقص الأدوية أو أصيب بأمراض مستعصية. نفس المصير لحق بكبار السن إذ مات الكثير منهم كونهم لم يتحملوا سنوات الحصار" وفقه.
من جهته يعتقد أخو أم منى أن "الأيادي التي دمرت مخيم اليرموك هي نفسها التي دمرت غزة"، منوها إلى أن "النظام السوري السابق كان أفظع وأبشع من النظام الإسرائيلي. هذا الأخير لم يقم بتدمير غزة إلا بعدما رأى ما قام به نظام الأسد في مخيم اليرموك ثم قلده".
وعلى الرغم من كل المعاناة والمآسي، سطعت بارقة أمل على مخيم اليرموك مع سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024. فيما تتمنى أم منى أن يعود المخيم كما كان عليه قبل الحرب وتنبت الزهور من جديد في بساتينه.
وقالت: "صحيح ألا شيء تغير منذ سقوط بشار الأسد في المخيم، لكن حالتنا النفسية تحسنت. أصبح الناس يخرجون ويدخلون دون أي مشكل ونشعر بأريحية كبيرة". وأضاف ابن أخيها فهمي صالح، في "السابق كنا ندفع المال لمجرد أن نفتح دكانا أو نبني جدارا. حتى لدفن أمواتنا، كانوا (يقصد مسؤولون في النظام السابق) يطلبون منا دفع مبلغ مالي".
مدرسة واحدة من بين 26 بقيت في الخدمة
وإلى ذلك، دعت أم منى وكالة الأونروا إلى التكفل من جديد بالمخيم وإعادة بناء المدارس والمستشفيات وتنظيف الطرق وتحسين ظروف العيش فيه خاصة وأن عددا كبير من اللاجئين سيعودون ربما قريبا إلى منازلهم.
وتابعت: "الطيران السوري دمر البنية التحتية. في السابق كان المخيم يضم 26 مدرسة. أما اليوم واحدة فقط بقيت في الخدمة. نفس الشيء بالنسبة للمستشفيات والعيادات والمخابز والمتاجر".
وبالرغم من أن سكان مخيم اليرموك لم يتواصلوا بعد مع السلطات الجديدة، إلا أنهم يتمنون أن يعود التغيير الذي وقع في سوريا بالخير عليهم وعلى حياتهم ويتمكنوا من اصلاح وترميم كل ما هدمه بشار الأسد لتبدأ حياة جديدة وسعيدة لغاية "تحرير فلسطين" والعودة إلى الديار...عن (فرانس24)
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات