ملوك الهاشميين حماة اللغة العربية و دعاة نهضتها
عمانيات - ملوك الهاشميين حماة اللغة العربية و دعاة نهضتها.
الدكتور نضال النوافعة
بعد أن سكنت جذوتها طويلًا وتسللت الرطانة الى ألسنة الناس، عاد نجم الحركة اللغوية ليسطع من جديد في دمشق وعمان منذ بدايات القرن العشرين، أي منذ عاد الهاشميون لتولي قيادة المشروع العربي الحديث عام 1918 بدءا بظهور المجامع العلمية في دمشق بالتزامن مع الحكومة الفيصلية في سوريا ومرورًا برغبة عارمة لدى الأمير عبدالله بن الحسين 1923 للنهوض بالمعارف العربية.
حينها عادت لغة الضاد الى واجهة الدولة والدواوين العامة والخاصة والصالونات الأدبية التي غدت أندية للمثقفين وأهل اللغة الذين وجدوا فيها متنفساً لإبداعاتهم المكبوتة كما يؤكد عضو مجمع اللغة العربية، وأستاذ الأدب المملوكي في جامعة مؤتة الدكتور سمير الدروبي في كتابه "مجامع اللغة العربية في دمشق وعمان في عهود الهاشميين" الذي صدر تخليدًا لمرور مئة عام على قيام الدولة الأردنية.
يقول الدروبي في سياقات إبراز جهود الهاشميين، وحرصهم على النهوض باللغة العربية، إن المجامع اللغوية التي تأسست في دمشق وعمان من أبرز إنجازات الدولة الهاشمية في القرنين العشرين، والحادي والعشرين في بلاد الشام، مشيرا الى المؤسسات اللغوية والعلمية التي تركت آثارًا عميقة في الحياة اللغوية والعلمية والتعليمية والفكرية في بلاد الشام منذ تأسيس أولها "المجمع العلمي العربي" عام 1919 بدمشق في عهد الملك فيصل بن الحسين" وما زال قائمًا ويعرف الآن "بمجمع اللغة العربية" وكذلك "المجمع العلمي العربي في الشرق" الذي أسسه الأمير عبدالله بن الحسين في عمان سنه 1923.
وأشار الدروبي أن الكتاب يؤرخ للنهضة اللغوية التعليمية والصحافة الأدبية في المملكة منذ عهد الإمارة في سياق توثيق إنجازات الدولة الأردنية في مئويتها الاولى ويجيب عن سؤال المجامع اللغوية الاولى نشأة وتاريخا وإنجازا و أهدافا في عهد الهاشميين وتصحيح ما تناقله بعض المؤرخين عن ذلك.
وأوضح أن "المجمع العلمي العربي في الشرق" الذي تأسس برعاية الأمير عبدالله بن الحسين عام 1923 في عمان، يعتبر الأساس في نهضة التعليم في عهد الإمارة بعد أن كانت المدارس قليلة وهي أشبه ما تكون بالكتاتيب. حينها عمل رجال المجمع على إصلاح المناهج، والمقررات الدراسية، و الارتقاء بالمستوى العلمي للمعلمين، وفتحوا مدارس جديدة في مختلف مناطق المملكة، واستخدموا المعلمين الأكْفَاء من "سوريا ولبنان ومصر والعراق وفلسطين"
أكاديميون و أدباء أكدوا في شهاداتهم لكتاب "مجامع اللغة العربية في دمشق وعمان في عهود الهاشميين" لمؤلفه الدروبي أن عناية الهاشميين باللغة وحرصهم على نشأة المجامع اللغوية في دمشق وعمان، ساهمت بشكل كبير في نهضة الحياة الأدبية و اللغوية وتطورها المستمر نتيجة التقاء أدباء من مختلف البلاد العربيّة، قدم مساهمة جليلة للغة العربية، وكافة العلوم و الآداب المتعلقة بالمجامع اللغوية.
وقالوا، إن الدروبي، وثق لمرحلة مهمة من تاريخ الحركة اللغوية في دمشق وعمان، وتفرد الهاشميون في النهوض باللغة العربية، وخدمة قضاياها، والعمل على إعادة حضورها في الحياة العامة، بعد أن همشت لفترة طويلة من الزمن.
وقال عضو مجمع اللغة العربية، والأستاذ في الجامعة الأردنيّة الدكتور همام غصيب، إن الدروبي لم ينتظر أيّا من المؤسسات الوطنية لتقدم ولو على الخطوة الأولى لمعرفته بأن الانتظار قد يطول، لذا خط مشروعه الطموح الكبير، وأقدم على تنفيذه بحماسة منقطعة النظير، لم يترك شاردة ولا واردة، و نبش الوثائق و المصادر من مظانها فدانت له مفاتيح الموضوع، وبانت له حقائق جديدة أشبه بالاكتشافات العلمية.
و أضاف غصيب، أن الدروبي كتب باستضافة مفاجئة عن المجمع العلمي العربي في الشرق؛ أي "مجمع عمّان" الذي أصدر الأمير عبدالله الأول، إرادته الأميرية بتأسيسه في 1923/7/17، مؤكدًا أن الفصول الثلاثة الأولى من الجزء الثالث من موسوعة الدروبي قد جبّ كل ما سبقه في هذا الموضوع؛ لأنه غاص في بحار الوثائق و المصادر الأصلية، و استخراج الأصداف، واللآلئ و التفصيلات، وتفصيلات التفصيلات، وصنّف كل ذلك باقتدار و إتقان، ووضعه في سياقاته التاريخية و السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية، فأتى بما لم يأتِ به الأوائل، وحسبه أن وضع حملة مجمعنا لتعريب العلوم في سياقها التاريخي الحضاري الثقافي.
بدورها قالت أستاذة علم اللغة والنحو وتحليل الخطاب في الجامعة الهاشمية الدكتورة خلود العموش، إن هذا عملٌ جليل نهض به الأستاذ الدكتور سمير الدروبي عضو مجمع اللغة العربية الأردني ضمن دراساته التوثيقية المجمعية المتميزة، التي وثَّق فيها لمسيرة المجامع اللغوية العربية في دمشق وعمان في عهود الهاشميين في الفترة من (1918-2021) بأناة وصبر عجيبين، وبدقة وموضوعية وأمانة علمية عزَّ نظيرها، وتتبع فيه رحلة نشوء المجمع العلمي العربي بدمشق في عهد الحكومة الفيصلية، ثم نشأة المجمع العلمي العربي في الشرق عام 1923 بناء على إرادة سامية من الأمير عبد الله بن الحسين، وذلك رغبة من الأمير في نهضة المعارف العربية وعلى رأسها اللغة العربية وقضاياها. ثم مجمع اللغة العربية الأردني الذي تتبع مسيرته وإنجازاته وتطوره منذ نشأته وحتى عام 2021.
وأضافت العموش، أن رحلة الباحث لم تكن عملا سهلا، بل اكتنفته مصاعب جمة، إلا أنَّه ذلَّلها بروح الباحث الثبت الشجاع الأمين، إلى أن استوتْ على سوقها عملاً علميا دقيقا، ببوصلة منهجية واضحة. والجهد العلمي في الكتاب يكشف عن ريادة الهاشميين في النهوض بشأن اللغة العربية وخدمتها منذ بواكير نشأة الدولة العربية الحديثة، ويكشف عن جهودهم وحرصهم على مؤسسة المجمع اللغوي باعتباره عنوانا للاهتمام بالعربية وقضاياها، وحضورها وسيرورتها في التعليم والحياة العامة.
وأكدت العموش، أن الكتاب منجز علمي متميز، وإضافة نوعية إلى المكتبة العربية، وهو مرجع أمين للباحثين عن سؤال الريادة والبدايات في مسيرة المجامع اللغوية العربية، وفيه جهد علمي جبار يحتاج في المعتاد إلى عمل فريق بحثي كبير، ونهض به العلامة الدروبي وحده، وهو عالم جليل يمتاز بجلده ودأبه في التوثيق والتتبع والتحليل والموازنة والكتابة العلمية الرصينة. لقد كنا بحاجة ماسة إلى هذا الكتاب الذي سدَّ نقصا توثيقيا في موضوعٍ على درجة كبيرة من الأهمية.
وبيّنت العموش، أن مسيرة مجمع اللغة العربي الأردني مازالت تمضي بخطى واثقة متميزة في خدمة العربية وقضاياها وحضورها في الحياة العامة، وهي مسيرة تحكي جهد الهاشميين وريادتهم في تمكين اللغة العربية لسان التنزيل ووعاء الثقافة وعنوان الحضارة التي تمتد على أكثر من 17 قرنا من الزمان. وليس هذا غريبا؛ فالهاشميون كابرا عن كابر يتوارثون محبة العربية والقيام على شأنها؛ ولذلك وجدنا مؤسسة المجمع اللغوي تحضر في بواكير الدولة العربية الحديثة التي أسسها الهاشميون، وكان لجلالة الملك عبد الله الأول بن الحسين دور رائد في تأسيس المجمع العلمي العربي في الشرق ورعايته، ثم كان لجلالة الملك الحسين طيب الله ثراه أيادٍ بيضاء في نشأة مجمع اللغة العربية الأردني وتطوره وازدهاره، واستمرت المسيرة ببهائها وإنجازها المستمر في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين، الذي كرَّم مسيرة المجمع حين أنعم عليه بوسام الاستقلال من الدرجة الأولى في العام 2019، بمناسبة مرور ثلاثة وسبعين عاما على الاستقلال، ودوره في الحفاظ على اللغة العربية. ولا نبالغ إن قلنا -مع الأستاذ الدكتور سمير الدروبي- إنَّ رعاية الهاشميين لهذا المجمع هو أحد أسرار تفوقه وحضوره ونيله العديد من الجوائز الدولية، ومنها جائزة الملك فيصل العالمية.
من جهته أشار عميد شؤون الطلبة في جامعة مؤتة الدكتور ماهر أحمد المبيضين، إلى الجهد الكبير الذي قام به الدكتور الدروبي من خلال كتابة الموسوم"مجامع اللغة العربية في دمشق وعمان في عهود الهاشميين(1918 -2023) " حيث تناول فيه المؤلف عددًا كبيرًا من القضايا ذات العلاقة بموضوع مجامع اللغة العربية ، وما يهمنا في هذا الجانب دور هذه المجامع في الحراك الثقافي والفكري آنذاك ، ودور هذا النشاط الثقافي في الحركة الأدبية في الأردن وفي تلك الفترة من عهود الهاشميين ، وقد كان للدروبي دور مبرز في تجلية هذه الموضوعات بصورة مشرقة تدل على الجهد الكبير الذي بذله في الوصول إلى حقائق مهمه جدًا في الشأن الثقافي و الأدبي والفكري وربط ذلك بنشأة مجامع اللغة العربية في دمشق وعمان .
وقال مبيضين، إن الحديث عن الحركة الأدبية واللغوية في مراحلها الأولى و منذ تأسيس الإمارة يقودنا إلى القول بأنها مرت بمراحل متعددة ضبطت مسارها من حيث النشأة والتطور والحداثة ، فهناك من يرى أن الفترة الواقعة ما بين 1921 ولغاية 1946 هي مرحلة البداية للحركة الأدبية و اللغوية في الأردن ، ثم المرحلة الثانية وتمتد من 1947 وحتى عام 1967، والمرحلة الأخيرة من 1967 وحتى العصر الحاضر وهو ما يمكن أن نسميه عصر الحداثة.
وأضاف مبيضين، أن الملك المؤسس عبد الله الأول -طيب الله ثراه- كان أديبًا و شاعرًا محبًا للأدب و الأدباء ، ومحفزًا للشعراء و كان له مجلس أدبي يزخر بالأدب والأدباء ، وهو ما يذكرنا بمجالس خلفاء بني العباس الأدبية التي أسهمت في نهضة الأدب آنذاك ، و مجالس الملك المؤسس أيضًا كان لها دور كبير في إحداث نهضة أدبية في الساحة الأردنية وفتحت المجال أمام عدد من الشعراء على وجه الخصوص لإبراز نتاجهم الأدبي ، و كان من أبرزهم شاعر الأردن مصطفى "وصفي التل الملقب بعرار" والذي كانت بينه و بين الملك المؤسس مساجلات شعرية ، وبحكم الموقع الجغرافي للأردن التقى على أرضه نخبة من أدباء سورية ولبنان و فلسطين والحجاز والعراق مثل "فؤاد الخطيب ، ونديم الملاح وحمد الشريقي" وغيرهم ، وقد كان لهؤلاء حضور مبرز في الساحة الأدبية و اللغوية الأردنية.
وأوضح مبيضين، أن الذي أسهم في نهضة الحركة الأدبية آنذاك صدور العديد من الصحف والمجلات التي تبنت نشر النتاج الأدبي للأدباء بمختلف مسمياته ومضامينه ، وفتحت المجال أمام أدباء جدد حرصوا على نشر أدبهم رغبة في الشهرة وإيصال رسائلهم الأدبية ذات المضامين الوطنية والقومية ، وظهر في تلك الفترة من الأدباء "محمد أبو غنيمة في مجال القصة ، و حسني فريز في مجال الشعر "و غيرهما،
ثم استمرت الحركة الأدبية في التطور المتسارع نتيجة الأحداث السياسية خاصة ما يتعلق بفلسطين ، فظهر مجموعة من الأدباء سجلوا تلك الأحداث وعبروا عنها في أدبهم ، في مجالي الشعر والنثر ، بمعنى كانت الأحداث السياسية في فلسطين ذات أثر كبير في إحداث نهضة أدبية أردنية وعربية بدافع القومية العربية.
و أكد مبيضين، أن الحركة الأدبية في الأردن بدأت بداية قوية في مختلف مساراتها الزمنية لوجود مقومات أسهمت في ذلك خاصة ما يتعلق بالتقاء أدباء من سورية و فلسطين و العراق و الحجاز و لبنان ، بمعنى أن هذا التمازج الثقافي و الفكري والأدبي أدى إلى نهضة أدبية رفيعة واكبت مختلف الأحداث التي مرّ بها الأردن و البلدان العربية المحيطة ، وما تزال هذه النهضة مستمرة حتى اليوم مع تطور خاص في مجال النثر الرواية والقصة على وجه الخصوص.
وقال الباحث والأديب نايف النوايسة، إن المؤلف بيّن أن لمجامع اللغة العربية أهمية كبيرة، وخدمة جليلة للغة، وكافة العلوم والآداب المتعلقة بها؛ لأنها أسهمت في الحفاظ عليها من أي تجاوز وتعدٍّ، وحققت لها السبل لتتعايش مع العصر من خلال التعريب والترجمة، ووضع المصطلحات الدالة وتأليف الكتب المتصلة بها.
وأضاف النوايسة، أن الكتاب تحدث عن ظروف تأسيس ثلاثة مجامع للغة العربية في عهود الهاشميين وهي" المجمع العلمي العربي بدمشق سنة 1918 في عهد الملك فيصل، والمجمع العلمي العربي في الشرق زمن الأمير عبدالله بن الحسين سنة 1923 في عمان، ومجمع اللغة العربية الأردني في عهد الملك الحسين بن طلال سنة 1976"
وأكد النوايسة أن الدروبي بيّن همُّ الامير فيصل في بدء حقبة الهاشمين بعد ثورة الشريف الحسين بن علي سنة 1916 كان متجهاً لتعريب كل شيء؛ فاستطاع في السنتين من ملكه على سوريا (1918_1920) من أن يفعل الكثير لهذه اللغة وعلى رأسها تأسيس المجمع الأول 1918 الذي لم يستمر طويلاً بسبب الصراعات السياسية والاستعمارية" فرنسا وإنجلترا" اللتين خرجتا من الحرب العالمية الأولى منتصرتين، وأصبحت الدول العربية التي كانت تابعة للعثمانيين تحت انتدابها.
وفي قراءة للظروف المصاحبة لتأسيس المجمع العلمي العربي في الشرق عام 1923 في بداية عهد الأمير عبدالله بن الحسين يقتضي الأمر الدخول في السياقات التاريخية لصدور إرادة الأمير، فقد اختلف الباحثون في تاريخ التأسيس وأهدافه وغاياته، إذ أن هناك من ينكر تأسيس المجمع في الأصل، وهناك من يحدد له تاريخاً، ويرجح الدكتور الدروبي رأي الأستاذ عبدالكريم خليفة الذي يذهب إلى أن هذا المجمع تأسس في تموز 1923 وكان الشيخ سعيد الكرمي رئيساً له ولم يستمر لأسباب مالية وعلمية وبشرية.. ويذهب الدروبي إلى أن عدم استمراره يعود لأسباب استعمارية وسياسية، واعتمد الباحث على مصادر أساسية صادقة في نقل خبر صدور الإرادة الملكية بتأسيس المجمع العلمي الأول وهو ما ورد في "جريدة الشرق العربي"، وأما المصدر الثاني فهو الوثيقة التي نقلها السيد عدنان الخطيب عضو مجمع اللغة العربية بدمشق في كتابه" المجمع العلمي العربي مجمع اللغة العربية بدمشق في خمسين عامًا"، وأما المصدر الثالث فهو ما ورد في كتاب" من أعلام الفكر والأدب في فلسطين" للأديب يعقوب العودات" البدوي الملثم".
وأكد النوايسة، أن الدروبي بحث في الدلالات التاريخية للإرادة وتسمية أعضاء المجمع، فضلاً عن الكشف عن الأيديولوجيا التي قام عليها وإعلان الرعاية الأميرية له وكذلك قوميته بالإضافة إلى الاهتمام بآثار البلاد والحفاظ عليها وتأسيس مجلة باسمه، أما المجمع الثالث فقد رصد الدروبي بدقة كافة الظروف التي أدت إلى تأسيسه؛ ففي سنة 1973 بدأت الجهود لتحويل اللجنة الأردنية للتعريب والترجمة والنشر إلى مجمع لغوي، واطلع المعنيون بتأسيسه على على تجارب الدول العربية( مصر وسوريا والعراق)، وفي حزيران 1976 صدرت الإرادة الملكية بتأسيس المجمع بقانون خاص به هو"قانون مجمع اللغة العربية الأردني" وضم القانون 23 مادة، مؤكدًا على جهود المجمع لتعريب التعليم العلمي الجامعي، وتحقيق التراث العربي الإسلامي ونشره كما ذكر إنجازات المجمع وما حصل عليه من جوائز عربية وعالمية.
الدكتور نضال النوافعة
بعد أن سكنت جذوتها طويلًا وتسللت الرطانة الى ألسنة الناس، عاد نجم الحركة اللغوية ليسطع من جديد في دمشق وعمان منذ بدايات القرن العشرين، أي منذ عاد الهاشميون لتولي قيادة المشروع العربي الحديث عام 1918 بدءا بظهور المجامع العلمية في دمشق بالتزامن مع الحكومة الفيصلية في سوريا ومرورًا برغبة عارمة لدى الأمير عبدالله بن الحسين 1923 للنهوض بالمعارف العربية.
حينها عادت لغة الضاد الى واجهة الدولة والدواوين العامة والخاصة والصالونات الأدبية التي غدت أندية للمثقفين وأهل اللغة الذين وجدوا فيها متنفساً لإبداعاتهم المكبوتة كما يؤكد عضو مجمع اللغة العربية، وأستاذ الأدب المملوكي في جامعة مؤتة الدكتور سمير الدروبي في كتابه "مجامع اللغة العربية في دمشق وعمان في عهود الهاشميين" الذي صدر تخليدًا لمرور مئة عام على قيام الدولة الأردنية.
يقول الدروبي في سياقات إبراز جهود الهاشميين، وحرصهم على النهوض باللغة العربية، إن المجامع اللغوية التي تأسست في دمشق وعمان من أبرز إنجازات الدولة الهاشمية في القرنين العشرين، والحادي والعشرين في بلاد الشام، مشيرا الى المؤسسات اللغوية والعلمية التي تركت آثارًا عميقة في الحياة اللغوية والعلمية والتعليمية والفكرية في بلاد الشام منذ تأسيس أولها "المجمع العلمي العربي" عام 1919 بدمشق في عهد الملك فيصل بن الحسين" وما زال قائمًا ويعرف الآن "بمجمع اللغة العربية" وكذلك "المجمع العلمي العربي في الشرق" الذي أسسه الأمير عبدالله بن الحسين في عمان سنه 1923.
وأشار الدروبي أن الكتاب يؤرخ للنهضة اللغوية التعليمية والصحافة الأدبية في المملكة منذ عهد الإمارة في سياق توثيق إنجازات الدولة الأردنية في مئويتها الاولى ويجيب عن سؤال المجامع اللغوية الاولى نشأة وتاريخا وإنجازا و أهدافا في عهد الهاشميين وتصحيح ما تناقله بعض المؤرخين عن ذلك.
وأوضح أن "المجمع العلمي العربي في الشرق" الذي تأسس برعاية الأمير عبدالله بن الحسين عام 1923 في عمان، يعتبر الأساس في نهضة التعليم في عهد الإمارة بعد أن كانت المدارس قليلة وهي أشبه ما تكون بالكتاتيب. حينها عمل رجال المجمع على إصلاح المناهج، والمقررات الدراسية، و الارتقاء بالمستوى العلمي للمعلمين، وفتحوا مدارس جديدة في مختلف مناطق المملكة، واستخدموا المعلمين الأكْفَاء من "سوريا ولبنان ومصر والعراق وفلسطين"
أكاديميون و أدباء أكدوا في شهاداتهم لكتاب "مجامع اللغة العربية في دمشق وعمان في عهود الهاشميين" لمؤلفه الدروبي أن عناية الهاشميين باللغة وحرصهم على نشأة المجامع اللغوية في دمشق وعمان، ساهمت بشكل كبير في نهضة الحياة الأدبية و اللغوية وتطورها المستمر نتيجة التقاء أدباء من مختلف البلاد العربيّة، قدم مساهمة جليلة للغة العربية، وكافة العلوم و الآداب المتعلقة بالمجامع اللغوية.
وقالوا، إن الدروبي، وثق لمرحلة مهمة من تاريخ الحركة اللغوية في دمشق وعمان، وتفرد الهاشميون في النهوض باللغة العربية، وخدمة قضاياها، والعمل على إعادة حضورها في الحياة العامة، بعد أن همشت لفترة طويلة من الزمن.
وقال عضو مجمع اللغة العربية، والأستاذ في الجامعة الأردنيّة الدكتور همام غصيب، إن الدروبي لم ينتظر أيّا من المؤسسات الوطنية لتقدم ولو على الخطوة الأولى لمعرفته بأن الانتظار قد يطول، لذا خط مشروعه الطموح الكبير، وأقدم على تنفيذه بحماسة منقطعة النظير، لم يترك شاردة ولا واردة، و نبش الوثائق و المصادر من مظانها فدانت له مفاتيح الموضوع، وبانت له حقائق جديدة أشبه بالاكتشافات العلمية.
و أضاف غصيب، أن الدروبي كتب باستضافة مفاجئة عن المجمع العلمي العربي في الشرق؛ أي "مجمع عمّان" الذي أصدر الأمير عبدالله الأول، إرادته الأميرية بتأسيسه في 1923/7/17، مؤكدًا أن الفصول الثلاثة الأولى من الجزء الثالث من موسوعة الدروبي قد جبّ كل ما سبقه في هذا الموضوع؛ لأنه غاص في بحار الوثائق و المصادر الأصلية، و استخراج الأصداف، واللآلئ و التفصيلات، وتفصيلات التفصيلات، وصنّف كل ذلك باقتدار و إتقان، ووضعه في سياقاته التاريخية و السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية، فأتى بما لم يأتِ به الأوائل، وحسبه أن وضع حملة مجمعنا لتعريب العلوم في سياقها التاريخي الحضاري الثقافي.
بدورها قالت أستاذة علم اللغة والنحو وتحليل الخطاب في الجامعة الهاشمية الدكتورة خلود العموش، إن هذا عملٌ جليل نهض به الأستاذ الدكتور سمير الدروبي عضو مجمع اللغة العربية الأردني ضمن دراساته التوثيقية المجمعية المتميزة، التي وثَّق فيها لمسيرة المجامع اللغوية العربية في دمشق وعمان في عهود الهاشميين في الفترة من (1918-2021) بأناة وصبر عجيبين، وبدقة وموضوعية وأمانة علمية عزَّ نظيرها، وتتبع فيه رحلة نشوء المجمع العلمي العربي بدمشق في عهد الحكومة الفيصلية، ثم نشأة المجمع العلمي العربي في الشرق عام 1923 بناء على إرادة سامية من الأمير عبد الله بن الحسين، وذلك رغبة من الأمير في نهضة المعارف العربية وعلى رأسها اللغة العربية وقضاياها. ثم مجمع اللغة العربية الأردني الذي تتبع مسيرته وإنجازاته وتطوره منذ نشأته وحتى عام 2021.
وأضافت العموش، أن رحلة الباحث لم تكن عملا سهلا، بل اكتنفته مصاعب جمة، إلا أنَّه ذلَّلها بروح الباحث الثبت الشجاع الأمين، إلى أن استوتْ على سوقها عملاً علميا دقيقا، ببوصلة منهجية واضحة. والجهد العلمي في الكتاب يكشف عن ريادة الهاشميين في النهوض بشأن اللغة العربية وخدمتها منذ بواكير نشأة الدولة العربية الحديثة، ويكشف عن جهودهم وحرصهم على مؤسسة المجمع اللغوي باعتباره عنوانا للاهتمام بالعربية وقضاياها، وحضورها وسيرورتها في التعليم والحياة العامة.
وأكدت العموش، أن الكتاب منجز علمي متميز، وإضافة نوعية إلى المكتبة العربية، وهو مرجع أمين للباحثين عن سؤال الريادة والبدايات في مسيرة المجامع اللغوية العربية، وفيه جهد علمي جبار يحتاج في المعتاد إلى عمل فريق بحثي كبير، ونهض به العلامة الدروبي وحده، وهو عالم جليل يمتاز بجلده ودأبه في التوثيق والتتبع والتحليل والموازنة والكتابة العلمية الرصينة. لقد كنا بحاجة ماسة إلى هذا الكتاب الذي سدَّ نقصا توثيقيا في موضوعٍ على درجة كبيرة من الأهمية.
وبيّنت العموش، أن مسيرة مجمع اللغة العربي الأردني مازالت تمضي بخطى واثقة متميزة في خدمة العربية وقضاياها وحضورها في الحياة العامة، وهي مسيرة تحكي جهد الهاشميين وريادتهم في تمكين اللغة العربية لسان التنزيل ووعاء الثقافة وعنوان الحضارة التي تمتد على أكثر من 17 قرنا من الزمان. وليس هذا غريبا؛ فالهاشميون كابرا عن كابر يتوارثون محبة العربية والقيام على شأنها؛ ولذلك وجدنا مؤسسة المجمع اللغوي تحضر في بواكير الدولة العربية الحديثة التي أسسها الهاشميون، وكان لجلالة الملك عبد الله الأول بن الحسين دور رائد في تأسيس المجمع العلمي العربي في الشرق ورعايته، ثم كان لجلالة الملك الحسين طيب الله ثراه أيادٍ بيضاء في نشأة مجمع اللغة العربية الأردني وتطوره وازدهاره، واستمرت المسيرة ببهائها وإنجازها المستمر في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين، الذي كرَّم مسيرة المجمع حين أنعم عليه بوسام الاستقلال من الدرجة الأولى في العام 2019، بمناسبة مرور ثلاثة وسبعين عاما على الاستقلال، ودوره في الحفاظ على اللغة العربية. ولا نبالغ إن قلنا -مع الأستاذ الدكتور سمير الدروبي- إنَّ رعاية الهاشميين لهذا المجمع هو أحد أسرار تفوقه وحضوره ونيله العديد من الجوائز الدولية، ومنها جائزة الملك فيصل العالمية.
من جهته أشار عميد شؤون الطلبة في جامعة مؤتة الدكتور ماهر أحمد المبيضين، إلى الجهد الكبير الذي قام به الدكتور الدروبي من خلال كتابة الموسوم"مجامع اللغة العربية في دمشق وعمان في عهود الهاشميين(1918 -2023) " حيث تناول فيه المؤلف عددًا كبيرًا من القضايا ذات العلاقة بموضوع مجامع اللغة العربية ، وما يهمنا في هذا الجانب دور هذه المجامع في الحراك الثقافي والفكري آنذاك ، ودور هذا النشاط الثقافي في الحركة الأدبية في الأردن وفي تلك الفترة من عهود الهاشميين ، وقد كان للدروبي دور مبرز في تجلية هذه الموضوعات بصورة مشرقة تدل على الجهد الكبير الذي بذله في الوصول إلى حقائق مهمه جدًا في الشأن الثقافي و الأدبي والفكري وربط ذلك بنشأة مجامع اللغة العربية في دمشق وعمان .
وقال مبيضين، إن الحديث عن الحركة الأدبية واللغوية في مراحلها الأولى و منذ تأسيس الإمارة يقودنا إلى القول بأنها مرت بمراحل متعددة ضبطت مسارها من حيث النشأة والتطور والحداثة ، فهناك من يرى أن الفترة الواقعة ما بين 1921 ولغاية 1946 هي مرحلة البداية للحركة الأدبية و اللغوية في الأردن ، ثم المرحلة الثانية وتمتد من 1947 وحتى عام 1967، والمرحلة الأخيرة من 1967 وحتى العصر الحاضر وهو ما يمكن أن نسميه عصر الحداثة.
وأضاف مبيضين، أن الملك المؤسس عبد الله الأول -طيب الله ثراه- كان أديبًا و شاعرًا محبًا للأدب و الأدباء ، ومحفزًا للشعراء و كان له مجلس أدبي يزخر بالأدب والأدباء ، وهو ما يذكرنا بمجالس خلفاء بني العباس الأدبية التي أسهمت في نهضة الأدب آنذاك ، و مجالس الملك المؤسس أيضًا كان لها دور كبير في إحداث نهضة أدبية في الساحة الأردنية وفتحت المجال أمام عدد من الشعراء على وجه الخصوص لإبراز نتاجهم الأدبي ، و كان من أبرزهم شاعر الأردن مصطفى "وصفي التل الملقب بعرار" والذي كانت بينه و بين الملك المؤسس مساجلات شعرية ، وبحكم الموقع الجغرافي للأردن التقى على أرضه نخبة من أدباء سورية ولبنان و فلسطين والحجاز والعراق مثل "فؤاد الخطيب ، ونديم الملاح وحمد الشريقي" وغيرهم ، وقد كان لهؤلاء حضور مبرز في الساحة الأدبية و اللغوية الأردنية.
وأوضح مبيضين، أن الذي أسهم في نهضة الحركة الأدبية آنذاك صدور العديد من الصحف والمجلات التي تبنت نشر النتاج الأدبي للأدباء بمختلف مسمياته ومضامينه ، وفتحت المجال أمام أدباء جدد حرصوا على نشر أدبهم رغبة في الشهرة وإيصال رسائلهم الأدبية ذات المضامين الوطنية والقومية ، وظهر في تلك الفترة من الأدباء "محمد أبو غنيمة في مجال القصة ، و حسني فريز في مجال الشعر "و غيرهما،
ثم استمرت الحركة الأدبية في التطور المتسارع نتيجة الأحداث السياسية خاصة ما يتعلق بفلسطين ، فظهر مجموعة من الأدباء سجلوا تلك الأحداث وعبروا عنها في أدبهم ، في مجالي الشعر والنثر ، بمعنى كانت الأحداث السياسية في فلسطين ذات أثر كبير في إحداث نهضة أدبية أردنية وعربية بدافع القومية العربية.
و أكد مبيضين، أن الحركة الأدبية في الأردن بدأت بداية قوية في مختلف مساراتها الزمنية لوجود مقومات أسهمت في ذلك خاصة ما يتعلق بالتقاء أدباء من سورية و فلسطين و العراق و الحجاز و لبنان ، بمعنى أن هذا التمازج الثقافي و الفكري والأدبي أدى إلى نهضة أدبية رفيعة واكبت مختلف الأحداث التي مرّ بها الأردن و البلدان العربية المحيطة ، وما تزال هذه النهضة مستمرة حتى اليوم مع تطور خاص في مجال النثر الرواية والقصة على وجه الخصوص.
وقال الباحث والأديب نايف النوايسة، إن المؤلف بيّن أن لمجامع اللغة العربية أهمية كبيرة، وخدمة جليلة للغة، وكافة العلوم والآداب المتعلقة بها؛ لأنها أسهمت في الحفاظ عليها من أي تجاوز وتعدٍّ، وحققت لها السبل لتتعايش مع العصر من خلال التعريب والترجمة، ووضع المصطلحات الدالة وتأليف الكتب المتصلة بها.
وأضاف النوايسة، أن الكتاب تحدث عن ظروف تأسيس ثلاثة مجامع للغة العربية في عهود الهاشميين وهي" المجمع العلمي العربي بدمشق سنة 1918 في عهد الملك فيصل، والمجمع العلمي العربي في الشرق زمن الأمير عبدالله بن الحسين سنة 1923 في عمان، ومجمع اللغة العربية الأردني في عهد الملك الحسين بن طلال سنة 1976"
وأكد النوايسة أن الدروبي بيّن همُّ الامير فيصل في بدء حقبة الهاشمين بعد ثورة الشريف الحسين بن علي سنة 1916 كان متجهاً لتعريب كل شيء؛ فاستطاع في السنتين من ملكه على سوريا (1918_1920) من أن يفعل الكثير لهذه اللغة وعلى رأسها تأسيس المجمع الأول 1918 الذي لم يستمر طويلاً بسبب الصراعات السياسية والاستعمارية" فرنسا وإنجلترا" اللتين خرجتا من الحرب العالمية الأولى منتصرتين، وأصبحت الدول العربية التي كانت تابعة للعثمانيين تحت انتدابها.
وفي قراءة للظروف المصاحبة لتأسيس المجمع العلمي العربي في الشرق عام 1923 في بداية عهد الأمير عبدالله بن الحسين يقتضي الأمر الدخول في السياقات التاريخية لصدور إرادة الأمير، فقد اختلف الباحثون في تاريخ التأسيس وأهدافه وغاياته، إذ أن هناك من ينكر تأسيس المجمع في الأصل، وهناك من يحدد له تاريخاً، ويرجح الدكتور الدروبي رأي الأستاذ عبدالكريم خليفة الذي يذهب إلى أن هذا المجمع تأسس في تموز 1923 وكان الشيخ سعيد الكرمي رئيساً له ولم يستمر لأسباب مالية وعلمية وبشرية.. ويذهب الدروبي إلى أن عدم استمراره يعود لأسباب استعمارية وسياسية، واعتمد الباحث على مصادر أساسية صادقة في نقل خبر صدور الإرادة الملكية بتأسيس المجمع العلمي الأول وهو ما ورد في "جريدة الشرق العربي"، وأما المصدر الثاني فهو الوثيقة التي نقلها السيد عدنان الخطيب عضو مجمع اللغة العربية بدمشق في كتابه" المجمع العلمي العربي مجمع اللغة العربية بدمشق في خمسين عامًا"، وأما المصدر الثالث فهو ما ورد في كتاب" من أعلام الفكر والأدب في فلسطين" للأديب يعقوب العودات" البدوي الملثم".
وأكد النوايسة، أن الدروبي بحث في الدلالات التاريخية للإرادة وتسمية أعضاء المجمع، فضلاً عن الكشف عن الأيديولوجيا التي قام عليها وإعلان الرعاية الأميرية له وكذلك قوميته بالإضافة إلى الاهتمام بآثار البلاد والحفاظ عليها وتأسيس مجلة باسمه، أما المجمع الثالث فقد رصد الدروبي بدقة كافة الظروف التي أدت إلى تأسيسه؛ ففي سنة 1973 بدأت الجهود لتحويل اللجنة الأردنية للتعريب والترجمة والنشر إلى مجمع لغوي، واطلع المعنيون بتأسيسه على على تجارب الدول العربية( مصر وسوريا والعراق)، وفي حزيران 1976 صدرت الإرادة الملكية بتأسيس المجمع بقانون خاص به هو"قانون مجمع اللغة العربية الأردني" وضم القانون 23 مادة، مؤكدًا على جهود المجمع لتعريب التعليم العلمي الجامعي، وتحقيق التراث العربي الإسلامي ونشره كما ذكر إنجازات المجمع وما حصل عليه من جوائز عربية وعالمية.
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات