احتكار العلم يَعْنِي احتكار الْحَياة


عمانيات -

د. محمود أبو فروة الرجبي
لا يَخْتَلِف اثنان فِي العالم عَلَى أن العالم الغربي احتكر القوة، والنفوذ، والسيطرة، بعدة عوامل أكثرها تأثيرًا عَلَى أرض الوَاقِع البَحْث العلمي، والإنتاج العلمي الغزير العميق الناتج عَن عَقْليَّة البَحْث والتحري، وَاحْتِرَام البَحْث والتطوير، وَالعُلَمَاء.
فِي بحث صادر عَن مَجَلَّة كلية التَّرْبِيَة الأساسية فِي جامعة بابل للباحث حوشي عثمان حَول "واقع البَحْث العلمي فِي الدُّوَل النامية مقارنة بالدول المتقدمة فِي توطين التكنولوجيا" فِي كانون أوْل 2016 أرقام صادمة، فالعالم ينفق 2.1% من مجمل دخله عَلَى البَحْث العلمي، أي ما يُقَارِب 536 بليون دولار، ثَلاثَة أرباع هَذَا المبلغ ينفق من خِلال الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، واليابان، وإذا انظرنا إلى الولايات المتحدة فإنها تنفق وحدها 32% من مَجْمُوع ما ينفق فِي العالم عَلَى البَحْث العلمي، تليها اليابان – مُعْجِزَة العالم – الَّتِي تنفق 24% من إنفاق العالم، وهَذَا لا يوازي عدد سكانها، فَهِي تتفوق عَلَى أمريكا بِنِسْبَة الإنفاق عَلَى البَحْث العلمي للفرد.
وإذا نظرنا إلى حَالَة اليابان الَّتِي خرجت من الحرب العَالَمِيَّة الثَّانية مهزومة، مدمرة، مُتَخَلِّفَة، وقارنا حالها بعْد ثَلاث وسبعين سنة، سنجد العجب العجاب، وَعِنْدَمَا نقرأ هَذِهِ الأرقام سنصل إلى حقيقة بديهية تعبنا وأنهكنا وَنَحْنُ نرددها: من يُرِيد التطور فعليه بالبحث العلمي.
ورغم وُجُود آلاف الجامِعات، والمعاهد العِلْميِّة، ومراكز الأبحاث فِي الوطن العربي (175 جامعة وأكثر من ألف مَرْكز أبحاث) فإنها تأتي فِي ذيل القائمة كَميًا (أي بحسب عدد الأبحاث)، ونسبيًا أي بِنِسْبَة الإنفاق عَلَى البَحْث العلمي من الناتج القومي 0.3%، وبحسب جودة الأبحاث الَّتِي نجد أن معظمها مكرر، وغَيْر أصيل، ولا ابتكار ملموسًا فِيهِ – إلا فِي حَالات نادرة-.
وَبِخُصوص عدد الباحثين لكل مليون نسمة، فإن هُنَاكَ تَفاوتًا فِي عدد العُلَمَاء فِي الوطن العربي نَفْسه، وهُوَ قَليل بِالنَّسْبَةِ للعالم، فبينما نجده فِي الكُوَيْت الأعلى، وَفِي اليَمَن الأقل، وَفِي حَالَة الإنفاق فإن دَوْلَة الاحتلال الصهيوني تنفق ثَلاثَة أضعاف مَجْمُوع من ينفقه الوطن العربي كله عَلَى البَحْث العلمي، هَذَا عدا عَن نَوْعية مخرجات الأبحاث وجودتها الَّتِي لا يُمكن مقارنتها مَعْهَا – للأسف الشَّديد طبعًا-.
الأرقام أصدق أنباء من كل شَيء، وإذا استطاعت اليابان بالعلم أن تُصْبح فِي مُقدِّمَة الدُّوَل وتتفوق عَلَى الغربية مِنْهَا، فَمَاذَا ننتظر نَحْنُ؟ هَلْ سيأتي يَوْم نضع فِيهِ البَحْث العلمي عَلَى قِمَّة أولوياتنا؟ وَهَلْ سنصل إلى جَعَل الجامِعات العَرَبية ومراكز الأبحاث مَحْميات طَبِيعِيَّة نبعد عَنْهَا شبح الواسطة، والمحسوبية- لتعطينا ثماراً وَإنْتاجًا متميزًا.
الله وحده اعلم.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :