حافظ على فكرك بالريموت كنترول بقلم : عمر ضمرة



تتجدد في شهر رمضان الفضيل من كل عام ، دعوات محمومة ، على شاشات الفضائيات ، وفي كافة وسائل الإعلام ، والتي تتركز على توجيه الانتقادات لبعض الأعمال الدرامية أو الكوميدية أو الاستعراضية مثل الكاميرا الخفية وغيرها ، وأخص بالذكر ما يقدمه عماد الفراجين ورامز جلال .
اللافت أن معظم الأعمال التي يتم توجيه سهام النقد لها ، تحصد أعلى نسبة مشاهدة ومتابعة من قبل المشاهدين العرب ، الأمر الذي يؤشر على خلل واضح ، ويدل على أن الشخصية العربية لديها نوع من الانفصام في الإدراك والوعي وأبسط قواعد التعامل مع ما يحيط بها .
إن أي عمل درامي ، سواء أكان مسلسلا أو فيلما ، تاريخيا أو اجتماعيا أو كوميديا ، وأي برنامج استعراضي لا يجد فيه الناس قيمة ما ، ولا يعبر عنهم ولا يقدم لهم خطابا يحترم فيها ذواتهم وإنسانيتهم ، هم ببساطة غير مضطرين لمتابعته ، ولا حتى بأي شكل من الأشكال ، إذ بإمكانهم الحفاظ على فكرهم وذواتهم من السطحية والابتذال والسخف بواسطة كبسة على جهاز التحكم " الريموت كنترول".
المفارقة في الموضوع ، أننا هنا ، ننتقد ونتابع ، ومعظم التبريرات تنصب وتتركز على أننا مدركين لتفاهة هذا المسلسل أو البرنامج ، ولكننا نتابعه -هكذا على سبيل التسلية - فهم يسوقون عذرا أقبح من ذنب المتابعة ، لأن المتابعة لمثل هكذا أعمال تزيد من أرباح منتجي هذه الأعمال الهابطة وتشجعهم على استنساخها كل عام .
حينما يكون الجمهور المتابع على مستوى من العقلانية ، التي تتيح له التمييز بين العمل الفني العميق من جهة وبين السطحي والهابط من جهة أخرى ، وبين العمل الفني الذي يستخف بعقله ، والعمل الذي يعامله باحترام ، حينئذ نستطيع إيقاف تناسل تلك الأعمال ، فالأمر أشبة بدائرة مغلقة ، أساسها المشاهد نفسه ، الذي يستطيع بكبسة صغيرة على "الريموت كونترول " تغيير القناة الفضائية ، ومتابعة أي عمل فني أو برنامج يناسب فكره ولا يستخف به .
أخطر ما يمكن أن يتعرض له الإنسان المعاصر هو عملية استلاب الفكر والعقل ، واستلاب القدرة على التمييز بين الغث والسمين ، لأن الإنسان المفتقر للقدرة على التفكير الحر ، شبيه بالسجين دون قيود ولا زنازين ، سجين لحالة عامة يتم تسويقها لتتناسب وفكره الهش وغير المحصن .
ان الانجرار وراء التيار الجارف مما يعرض على الإنسان العربي من أعمال ،سواء كانت درامية أو فنية أو إعلامية ، وعدم القدرة على وضع حد لحالات غسيل الدماغ ، بشكل مباشر أو غير مباشر ، كفيل بتحطيم ما تبقى من عوامل نجاة للإنسان العربي ، اذ ان الفكر الحر هو الحصن الوحيد الذي يتعين على الجميع أن يلوذ به ، ولا ينبغي التفريط بحريتنا الفكرية ، لأن تداعيات ذلك مدمرة وتنذر بالخراب وعظائم الأمور .




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :