محطات بقلم :د . ميرفت سرحان


سلسلة في آخر الأسبوع خاطرة
محطات

إذا ما عقدت العزم مرة على السفر برا .. تبدأ بحزم أمتعتك وتحضير أغراضك .. فتنتقي اللباس المناسب للطريق ولبلد السفر، وتحمل معك ما تحتاجه من طعام وشراب .. وتأخذ حاجياتك التي ترتاح لها .. ثم تتأكد من صلاحية جواز سفرك وتأشيرة دخولك للبلد المقصود .. وإذا كنت محظوظًا فأنت تختار مع أي شركة تسافر وأي مجموعة من الأشخاص ترافق .. ويا سعدك وهَنَاك إذا ما وفقت بدليل سياحي ذا علم غزير، وقيادة حكيمة .. وإذا كان سفرك طويلًا وبعيدًا ستبذل جهدًا لتجد من يؤنسك ويعتني بك أثناء عناء السفر .. وتباشر الرحلة .. وتشعر أنت ومن معك أنكم بحاجة لأخذ استراحة بين الحين والآخر تتوقفون خلالها أثناء المسير إلى المكان المنشود على حافة الطريق .. يقضي فيها كل منكم بعض الحوائج كالمشي قليلًا على سبيل المثال لتحريك الدورة الدموية .. أو لشراء بعض الطعام والشراب لنفاذ الكمية التي يمتلكها، وقد يكتفي بأن يخرج من الحافلة ويقف على قدميه ويفتح يديه ثم يمدهما بموازاة كتفيه ويأخذ نفسًا عميقًا، ويخرج الزفير المتراكم داخل رئتيه .. وكثيرًا ما يستغل أحدهم وقوف الحافلة ليتخلص من بعض أو كثير من المهملات التي تراكمت لديه أثناء المسير الطويل، أو أحيانًا لقضاء حاجة ..
وفي كل محطة تمر بها يلفت انتباهك فيها شيئًا ما .. فبعض المحطات قد لا يعجبك تنظيمها، وآخرى قد يبهرك ترتيبها ..
ومن المحطات عتيقة، تشعر داخلها بعبق الأصالة وجمال التاريخ، ويمتلك أصحابها من الحكمة وجمال الروح ما يشعرك بالراحة والطمأنينة، يعرضون عليك سلعهم الثمنية مغلفة بشيء من المودة والشوق لتقتنيها، ولك الخيار بين الرفض والقبول .. وهناك محطات قديمة بالية متهالكة، يشعرك أصحابها بالنقمة على كل جديد وحديث وعلى كل قديم وعتيق أيضًا، تشعر عندهم بالعتمة والغمة، ومع ذلك يعرضون عليك سلعهم البالية التافهه بأسلوب يجعلك تشعر بالاحراج لعدم ابتياعك منهم .. وعلى طرف آخر تجد محطات حديثة، ملونة ومزركشة، تبهرك بأضوائها اللامعة وديكوراتها الخلابة وأثاثها المنمق، وتفتن بأصحابها معسولو الكلام ومصففو الحديث، يبيعونك الوهم والخيال، وأنت في غفلة من أمرك لا تدري متى عرض عليك البيع ولا متى اشتريت .. وتجد محطات حديثه، أنيقة لكنها متواضعة، يتسم أصحابها بالهدوء والبساطة، ولفرط سذاجتهم لا يعبرون لك أن عندهم من السلع ما هو غالٍ ونفيس فتمر عليهم ولكنك لجهلهم لا تشتري منهم ..
ولأنك أحد أعضاء المجموعة فقد تتوقف على أحد المحطات مجبرًا، حيث وقت الوقوف عليها لا يمثل الوقت المناسب لك، أو أنك لست بحاجة لاستراحة، أو ربما يناسبك الوقت .. إلا أنك في النتيجة وصلت المحطة .. هذا تمامًا ما يحصل معك في رحلة سفرك في هذه الحياة .. فقد تنزل على إحدى هذه المحطات سواءً برغبتك أو أنك أجبرت .. فانتبه .. لما يعرض عليك من سلع على مد الطريق، لا يغرك حديث أصحابها المنمق ولا يبهرك غلاف البضائع المزركش .. خذ ما تحتاجه أو ما نزلت من أجله .. واذا ما أردت اضافة لما تمتلك أو اعتزت المزيد .. فلا بأس، ولكن تعلم فن الاختيار ومهارة الانتقاء .. فأمامك المزيد من المحطات .. ثم قد تزل في احدى المحطات وتسيء الاختيار فلا تحزن فهذا طبع البشر يخطئ ويصيب .. وقد تخفق من جديد فلا تندم على غفلة أو زلة فكثيرًا ما نتعثر أثناء المسير، ولا ترهق نفسك باللوم والتقريع فهذا لن يفيد، ولكن تفكر وتدبر وأحسن اختيار المؤنس والدليل .. فأمامك من المحطات المزيد والمزيد .. وتزود فإن خير الزاد التقوى ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :