المجمع يفتتح مؤتمره السّنويّ "قضايا النّحو العربيّ بين الثّوابت وضرورات التّجديد"
عمانيات -
افتتح مجمع اللّغة العربيّة الأردنيّ ضحى الأربعاء الثّامن عشر من تشرين الثّاني فعاليّاتِ مؤتمره السّنويّ للعام الحاليّ ٢٠٢٠م، بعنوان "قضايا النّحو العربيّ بين الثّوابت وضرورات التّجديد" بالتّعاون مع مبادرة (ض)- مؤسّسة وليّ العهد. وترأّس الجلسة الأولى الأستاذُ الدكتور يوسف بكّار، عضوُ المجمع، وقُدِّمَ فيها ثلاثةُ بحوث: الأوّل قدّمَه الأستاذ الدكتور عبدالحميد مدكور، الأمين العامّ لمجمع اللّغة العربيّة في القاهرة، بعنوان: "مِن محاولات تيسير النّحو العربيّ بين القدامى والمُحْدَثين"، والثّاني قدّمه الأستاذ الدكتور امحمّد مستغانمي، الأمين العامّ لمجمع اللّغة العربيّة في الشّارقة، بعنوان: "تدريس النّحو في المحاضر الشّنقيطيّة بين الواقع والمأمول"، والثّالث بعنوان "قضايا النّحو العربيّ بين الثّوابت وضرورات التّجديد" قدّمه الأستاذ الدكتور صالح بلعيد، رئيس المجلس الأعلى للّغة العربيّة في الجزائر.
اسْتَهَلَّ المؤتمرَ رئيسُ المجمع معالي الأستاذ الدكتور خالد الكركيّ، بحضور الأمين العامّ عطوفة الأستاذ الدكتور محمّد السّعوديّ وعددٍ من أعضاء المجمع، عن بُعد، عبر تقنية الاتّصال المرئيّ، بكلمةٍ رحّب فيها بالأساتذة المشاركين والضّيوف متمنّياً لو تمّ المؤتمر في ظروف اعتياديّة، والتوفيقَ وهم يذهبون إلى أسئلة النّحو العربيّ، بعد أن كان المؤتمرُ السّابق مراجعةً شاملة لأسئلة البلاغة العربيّة؛ داعياً أن نشهد بياناً يَصدر لاحقاً عن هذا الملتقى وعن غيره، يذكّر ويحذّر ويرسم ملامح المطلوب منّا حتّى نلحق بزمن بني أمية وبالزّمن العبّاسيّ في علمه وأهل النّحو فيه، ومكانة العربيّة الغالية آنذاك، ومؤكداً وجوب إيقاف هروب اللّغة مِن بين أيدينا، وقد صرنا منها "كقابضٍ على الماء خانتْه فروجُ الأصابع" وغاضتْ ينابيعها!
وممّا قال: "هذا زمانٌ يشتدّ فيه الجدل حول الثّنائيّات، وتغيب فيه عن أبناء الأمّة تحوّلاتٌ صعبةٌ تمرّ بها لغتُنا الشّريفة، والغريبُ أن يشارك في التّحوّلات مَن خذلوا لغتهم، وغرِقوا في الأمّيّة والعامّيّة والتّلوّث اللّغويّ والبصريّ والسّمعيّ، الذي غزا الشّوارع والإعلام والتّعليم، ولم يَسْلم منه إلّا مَن ظلّ مِن أهل العربيّة وفيّاً لها ولأسئلتها في زمن الاستلاب والتّغريب وخيبة السّياسة وغياب الوحدة وبؤس وسائل الإعلام التي انهار فيها مجد العربيّة وهم ينظرون ببلاهة، إلّا مَن ظلّ على وفائه من طلائع أساتذة العربيّة في الجامعات، ومِن أطفالنا الذين يردّدون الأناشيد الفصيحة في صفوفهم الأولى، وكلّما تقدّم بهم التّعلّم بدأتِ العربية تتلاشى خلف ضبابيّة التّعليم وطغيان العامّيّة على الصّورة التي تعرفون".
وأضاف: "ها نحن بعد ما يزيد على أربعين من الأعوام، نسعى في هذا المجمع، ومع أشقّائنا في المجامع، أن نحفظ الأسئلة والقضايا حتّى لا تبدو تائهة في الزّمان الرّديء، وكم مسّني الحزن وأنا أرى أمماً مِن أهل الإسلام يزحفون إلى أوطاننا بحثاً عن معاهد تعلّمهم دينهم ولغة القرآن الكريم، ويعودون وقد استبدّ بهم الغضب على تراجع العربيّة، وضعفِ تعليم النّحو والبلاغة، كأنّ هذا التّعليم ليس أمانةً حملَها العرب منذ انبثاق نور الإسلام في ثورته حتى يُخرج النّاسَ من الظّلمات إلى النّور".
وقال أيضًا: "وعلى الرّغم من محاولات تيسير النّحو وتجديد العربيّة، فقد غلَّبْنا عليها ثلاثيّة: جاهلٌ لم يُعَلَّم، وغافلٌ لم يُنَبّه، وناسٍ لم يُذَكَّرْ. هل يظنّ أحد أنّنا ننتصر بالعامّيّة، أو نبدع بغيرها من اللّغات!! إنّ كلّ الذين ينأَوْن عنها مِن أبنائها لم يقرأوا عصورَها الزّاهية، ولم يعشقوا مثلَ الفرسان عشقَهم لسيوفهم، والعُذْرِييّن لصويحباتهم، ولو قرأوا نضال العربيّة ضدَّ الاستعمار الفرنسيّ لأدركوا كم هي عظيمة وكم غيابُها مطلوب لدى الأعداء! العربيّة في كبريائها ووقارها وتحوّلاتها في عصورنا الأولى ما تزال حاضرة، لكنّ الذين بدّلوا جلودهم منّا ليسوا منّا".
واختتم كلمته بما رواه الشّيخُ مازن المبارك: "حدود لغتنا الفصحى اليوم هي حدود الوطن العربيّ، وإذا كانت الحدود السّياسيّة فرّقتْ بين أقطاره، فإنّ اللّغة -وهي الوطن الرّوحيّ- لا تعرف الحواجز والحدود. إنّ اللّغة العربيّة المشتركة اليوم هي هويّة الأمّة العربيّة". منوِّهًا إلى أنّنا "سنحتفل مع الأمّة بيوم اللّغة العربيّة في الثّامن عشر من الشّهر القادم من هذا العام، وقدْ لاحظْنا أنّ منظّمة دوليّة معروفة تحتفي، لأنّ هذا من واجبها؛ ترى أنْ يكون الشعارُ لهذا العام "المجامعُ العربيّة ضرورة أم ترف؟"، وقد وقف المجمع عند هذه، وبعثْنا رسائل إلى وزارة التّربية والتّعليم نقول لهم: هذا العنوانُ فيه شيءٌ من التّضليل. وقلنا لاتّحاد المجامع: هذا غيرُ جائز، وسنختار شعاراً يخصّنا نحن. وقد تلقّيْتُ إجاباتٍ من زملائي الكرام أعضاء المجمع حول هذا الموضوع".
بيّنَ الأمين العامّ لمجمع اللّغة العربيّة في القاهرة، الدكتور مدكور، في بحثه المعنون بـ(مِن محاولات تيسير النّحو العربيّ بين القدامى والمحدثين)، عن نشأة النّحو ووضعِ قواعده للحفاظ على لغة القرآن الكريم منذ وقتٍ مبكّر من عمر دولة الإسلام، ثمّ تكاملتْ عناصره على أيدي علماء اللّغة كالخليل بن أحمد وسيبويه، ثمّ توالى العلماء الذين استكملوا قواعده وأحكموا بناءه.
ثم عرض الجهود المتنوّعة في تيسير النّحو قديماً وحديثاً، وقد عُنِيَتْ مجامع اللّغة العربيّة بهذه القضيّة عناية كبيرة، ومنها مجمع القاهرة الذي قُدِّمَتْ فيه محاولات كثيرة كان أهمّها محاولة الأستاذ الدكتور شوقي ضيف في دراسته لابن مضاء القرطبيّ وفي كتابه "تجديد النّحو". وبيّن أنّ كثرة هذه المحاولات تدلّ على أهمّيّة المشكلة وتعقّدها وعسر الوصول إلى حلّ شامل لها، لأسباب متعددة، ولهذا يجب ألّا يتجاهلها البحث العلميّ، وأن تظلّ مطروقة ومتداولة بين العلماء.
وقدّم الدكتور امحمد مستغانمي في بحثه "تدريس النّحو في المحاضر الشّنقيطيّة بين الواقع والمأمول" إطلالةً عامّة على طريقة التّعليم والتّعلّم في بلاد شنقيط، حيث اشتهرت موريتانيا بمحاضرها العلميّة، وهي المسمّاة في بلاد المغرب العربي بالزّوايا والكتاتيب التي في التّعليم الحديث تقوم مقامها المدارسُ والمعاهد والجامعات وغيرها من المؤسسات التّعليميّة الرّسميّة. وتتميّزُ هذه المحاضر بطريقة خاصّة في تحفيظ القرآن الكريم وتعليم المتون العلميّة المتنوّعة، ولكلّ محضرة شيخٌ خاصّ بتحفيظ القرآن، وشيخ آخرُ وظيفتُهُ تدريس المتون العلميّة.
ثمّ استعرض اختلاف المحاضر في المناهج الموريتانيّة المقرّرة لتدريس المتون العلميّة التي يبدأ بعضها في تدريس متون علوم اللّغة أوّلاً بحكم وصفها علومَ آلة تُمكّن الطالب من فهم العلوم الأخرى والغوص في بحار تفاصيلها وشواردها وأوابدها. وبالمقابل ثمّة محاضر تبدأ بتحفيظ القرآن ثمّ تحفيظ المتون الشرعيّة المتعلّقة بالفقه والأصول والعقيدة، وتنتهي بدراسة متون اللّغة وحفظها، وحفظ أشعار الجاهليّين الستّة ودواوين الفحول مثل ديوان غيلان ذي الرّمّة والمجاميع وغيرها.
وتابع حول هذا الموضوع بأنّ علماء شنقيط دأبوا على توجيه النّاشئ فيهم إلى حفظ متن الآجرّوميّة، والذي جعلهم يُقبلون على دراسة هذا المتن ونظمه وحفظه هو أنّه متنٌ مختصرٌ سهلُ العبارة يحتوي على أهمّ القواعد النّحويّة التي لا غنى للمبتدئ عنها.
ثم تحدّث عن تقسيم اليوم المحضريّ، والحسنات والميزات العامّة لطريقة التّعلم في بلاد شنقيط، وأبرزها: البيئة المناسبة للحفظ، وإعطاء المتن الذي هو بصدد تعلّمه كلِّيَّته حتّى يتقنه، ومرونة الجدول الدّراسيّ، وعَرَضَ بعض الملحوظات والمآخذ العامّة على طريقة تعليم النّحو في المحاضر.
وطرح الدكتور بلعيد في بحثه "قضايا النّحو العربيّ بين الثّوابت وضرورات التّجديد" جملة من الحلول النّوعيّة لقضايا نحويّة معلّقة في النّحو العربيّ في المبنى والمعنى، وقضايا ما تزال محلّ بحث واجتهاد واختلاف رأي، ولم يقع الفصل النّهائي في أساسيّات التّراكيب النّحويّة، وما تزال المؤلفات في المنهج وطرائق التّدريس محلّ جدل. وأشار إلى مسألة النّحو العربيّ الذي بُنِي بناءً هرميّاً للحفاظ على المدوّنة المقدّسة من خلال استعمال العرب لغتَهم بلسانهم.
وتوزّعتْ مفاتيح البحث على محاور عدّة، هي: معنى قضايا النّحو العربيّ، والثّبات في النّحو العربيّ، وضرورة التّجديد في النّحو والعولمة اللّغويّة العربيّة. ثم قدّم عدداً من المقترحات، ومنها: ضرورة الوعي باللّغة العربيّة، ووصف العربيّة وصفاً جديداً يجمع بين الاستعمال القديم والحديث، وتدريس النّحو على أساس أنّه مادّة فكريّة، والتّعامل بما يتناسب مع الأهداف التّربويّة، ومراجعة وتقويم فائدة المقرّرات، والتّركيز على الجوانب الوظيفيّة من النّحو وغيره من علوم اللّغة العربيّة، وتنشيط المؤسّسات التّربويّة، وتحريك البحث العلميّ في اللّغة العربيّة، والاهتمام بالمدوّنات، وتخطيط السّياسات اللّغويّة والتّربويّة واستشراف المستقبل.
افتتح مجمع اللّغة العربيّة الأردنيّ ضحى الأربعاء الثّامن عشر من تشرين الثّاني فعاليّاتِ مؤتمره السّنويّ للعام الحاليّ ٢٠٢٠م، بعنوان "قضايا النّحو العربيّ بين الثّوابت وضرورات التّجديد" بالتّعاون مع مبادرة (ض)- مؤسّسة وليّ العهد. وترأّس الجلسة الأولى الأستاذُ الدكتور يوسف بكّار، عضوُ المجمع، وقُدِّمَ فيها ثلاثةُ بحوث: الأوّل قدّمَه الأستاذ الدكتور عبدالحميد مدكور، الأمين العامّ لمجمع اللّغة العربيّة في القاهرة، بعنوان: "مِن محاولات تيسير النّحو العربيّ بين القدامى والمُحْدَثين"، والثّاني قدّمه الأستاذ الدكتور امحمّد مستغانمي، الأمين العامّ لمجمع اللّغة العربيّة في الشّارقة، بعنوان: "تدريس النّحو في المحاضر الشّنقيطيّة بين الواقع والمأمول"، والثّالث بعنوان "قضايا النّحو العربيّ بين الثّوابت وضرورات التّجديد" قدّمه الأستاذ الدكتور صالح بلعيد، رئيس المجلس الأعلى للّغة العربيّة في الجزائر.
اسْتَهَلَّ المؤتمرَ رئيسُ المجمع معالي الأستاذ الدكتور خالد الكركيّ، بحضور الأمين العامّ عطوفة الأستاذ الدكتور محمّد السّعوديّ وعددٍ من أعضاء المجمع، عن بُعد، عبر تقنية الاتّصال المرئيّ، بكلمةٍ رحّب فيها بالأساتذة المشاركين والضّيوف متمنّياً لو تمّ المؤتمر في ظروف اعتياديّة، والتوفيقَ وهم يذهبون إلى أسئلة النّحو العربيّ، بعد أن كان المؤتمرُ السّابق مراجعةً شاملة لأسئلة البلاغة العربيّة؛ داعياً أن نشهد بياناً يَصدر لاحقاً عن هذا الملتقى وعن غيره، يذكّر ويحذّر ويرسم ملامح المطلوب منّا حتّى نلحق بزمن بني أمية وبالزّمن العبّاسيّ في علمه وأهل النّحو فيه، ومكانة العربيّة الغالية آنذاك، ومؤكداً وجوب إيقاف هروب اللّغة مِن بين أيدينا، وقد صرنا منها "كقابضٍ على الماء خانتْه فروجُ الأصابع" وغاضتْ ينابيعها!
وممّا قال: "هذا زمانٌ يشتدّ فيه الجدل حول الثّنائيّات، وتغيب فيه عن أبناء الأمّة تحوّلاتٌ صعبةٌ تمرّ بها لغتُنا الشّريفة، والغريبُ أن يشارك في التّحوّلات مَن خذلوا لغتهم، وغرِقوا في الأمّيّة والعامّيّة والتّلوّث اللّغويّ والبصريّ والسّمعيّ، الذي غزا الشّوارع والإعلام والتّعليم، ولم يَسْلم منه إلّا مَن ظلّ مِن أهل العربيّة وفيّاً لها ولأسئلتها في زمن الاستلاب والتّغريب وخيبة السّياسة وغياب الوحدة وبؤس وسائل الإعلام التي انهار فيها مجد العربيّة وهم ينظرون ببلاهة، إلّا مَن ظلّ على وفائه من طلائع أساتذة العربيّة في الجامعات، ومِن أطفالنا الذين يردّدون الأناشيد الفصيحة في صفوفهم الأولى، وكلّما تقدّم بهم التّعلّم بدأتِ العربية تتلاشى خلف ضبابيّة التّعليم وطغيان العامّيّة على الصّورة التي تعرفون".
وأضاف: "ها نحن بعد ما يزيد على أربعين من الأعوام، نسعى في هذا المجمع، ومع أشقّائنا في المجامع، أن نحفظ الأسئلة والقضايا حتّى لا تبدو تائهة في الزّمان الرّديء، وكم مسّني الحزن وأنا أرى أمماً مِن أهل الإسلام يزحفون إلى أوطاننا بحثاً عن معاهد تعلّمهم دينهم ولغة القرآن الكريم، ويعودون وقد استبدّ بهم الغضب على تراجع العربيّة، وضعفِ تعليم النّحو والبلاغة، كأنّ هذا التّعليم ليس أمانةً حملَها العرب منذ انبثاق نور الإسلام في ثورته حتى يُخرج النّاسَ من الظّلمات إلى النّور".
وقال أيضًا: "وعلى الرّغم من محاولات تيسير النّحو وتجديد العربيّة، فقد غلَّبْنا عليها ثلاثيّة: جاهلٌ لم يُعَلَّم، وغافلٌ لم يُنَبّه، وناسٍ لم يُذَكَّرْ. هل يظنّ أحد أنّنا ننتصر بالعامّيّة، أو نبدع بغيرها من اللّغات!! إنّ كلّ الذين ينأَوْن عنها مِن أبنائها لم يقرأوا عصورَها الزّاهية، ولم يعشقوا مثلَ الفرسان عشقَهم لسيوفهم، والعُذْرِييّن لصويحباتهم، ولو قرأوا نضال العربيّة ضدَّ الاستعمار الفرنسيّ لأدركوا كم هي عظيمة وكم غيابُها مطلوب لدى الأعداء! العربيّة في كبريائها ووقارها وتحوّلاتها في عصورنا الأولى ما تزال حاضرة، لكنّ الذين بدّلوا جلودهم منّا ليسوا منّا".
واختتم كلمته بما رواه الشّيخُ مازن المبارك: "حدود لغتنا الفصحى اليوم هي حدود الوطن العربيّ، وإذا كانت الحدود السّياسيّة فرّقتْ بين أقطاره، فإنّ اللّغة -وهي الوطن الرّوحيّ- لا تعرف الحواجز والحدود. إنّ اللّغة العربيّة المشتركة اليوم هي هويّة الأمّة العربيّة". منوِّهًا إلى أنّنا "سنحتفل مع الأمّة بيوم اللّغة العربيّة في الثّامن عشر من الشّهر القادم من هذا العام، وقدْ لاحظْنا أنّ منظّمة دوليّة معروفة تحتفي، لأنّ هذا من واجبها؛ ترى أنْ يكون الشعارُ لهذا العام "المجامعُ العربيّة ضرورة أم ترف؟"، وقد وقف المجمع عند هذه، وبعثْنا رسائل إلى وزارة التّربية والتّعليم نقول لهم: هذا العنوانُ فيه شيءٌ من التّضليل. وقلنا لاتّحاد المجامع: هذا غيرُ جائز، وسنختار شعاراً يخصّنا نحن. وقد تلقّيْتُ إجاباتٍ من زملائي الكرام أعضاء المجمع حول هذا الموضوع".
بيّنَ الأمين العامّ لمجمع اللّغة العربيّة في القاهرة، الدكتور مدكور، في بحثه المعنون بـ(مِن محاولات تيسير النّحو العربيّ بين القدامى والمحدثين)، عن نشأة النّحو ووضعِ قواعده للحفاظ على لغة القرآن الكريم منذ وقتٍ مبكّر من عمر دولة الإسلام، ثمّ تكاملتْ عناصره على أيدي علماء اللّغة كالخليل بن أحمد وسيبويه، ثمّ توالى العلماء الذين استكملوا قواعده وأحكموا بناءه.
ثم عرض الجهود المتنوّعة في تيسير النّحو قديماً وحديثاً، وقد عُنِيَتْ مجامع اللّغة العربيّة بهذه القضيّة عناية كبيرة، ومنها مجمع القاهرة الذي قُدِّمَتْ فيه محاولات كثيرة كان أهمّها محاولة الأستاذ الدكتور شوقي ضيف في دراسته لابن مضاء القرطبيّ وفي كتابه "تجديد النّحو". وبيّن أنّ كثرة هذه المحاولات تدلّ على أهمّيّة المشكلة وتعقّدها وعسر الوصول إلى حلّ شامل لها، لأسباب متعددة، ولهذا يجب ألّا يتجاهلها البحث العلميّ، وأن تظلّ مطروقة ومتداولة بين العلماء.
وقدّم الدكتور امحمد مستغانمي في بحثه "تدريس النّحو في المحاضر الشّنقيطيّة بين الواقع والمأمول" إطلالةً عامّة على طريقة التّعليم والتّعلّم في بلاد شنقيط، حيث اشتهرت موريتانيا بمحاضرها العلميّة، وهي المسمّاة في بلاد المغرب العربي بالزّوايا والكتاتيب التي في التّعليم الحديث تقوم مقامها المدارسُ والمعاهد والجامعات وغيرها من المؤسسات التّعليميّة الرّسميّة. وتتميّزُ هذه المحاضر بطريقة خاصّة في تحفيظ القرآن الكريم وتعليم المتون العلميّة المتنوّعة، ولكلّ محضرة شيخٌ خاصّ بتحفيظ القرآن، وشيخ آخرُ وظيفتُهُ تدريس المتون العلميّة.
ثمّ استعرض اختلاف المحاضر في المناهج الموريتانيّة المقرّرة لتدريس المتون العلميّة التي يبدأ بعضها في تدريس متون علوم اللّغة أوّلاً بحكم وصفها علومَ آلة تُمكّن الطالب من فهم العلوم الأخرى والغوص في بحار تفاصيلها وشواردها وأوابدها. وبالمقابل ثمّة محاضر تبدأ بتحفيظ القرآن ثمّ تحفيظ المتون الشرعيّة المتعلّقة بالفقه والأصول والعقيدة، وتنتهي بدراسة متون اللّغة وحفظها، وحفظ أشعار الجاهليّين الستّة ودواوين الفحول مثل ديوان غيلان ذي الرّمّة والمجاميع وغيرها.
وتابع حول هذا الموضوع بأنّ علماء شنقيط دأبوا على توجيه النّاشئ فيهم إلى حفظ متن الآجرّوميّة، والذي جعلهم يُقبلون على دراسة هذا المتن ونظمه وحفظه هو أنّه متنٌ مختصرٌ سهلُ العبارة يحتوي على أهمّ القواعد النّحويّة التي لا غنى للمبتدئ عنها.
ثم تحدّث عن تقسيم اليوم المحضريّ، والحسنات والميزات العامّة لطريقة التّعلم في بلاد شنقيط، وأبرزها: البيئة المناسبة للحفظ، وإعطاء المتن الذي هو بصدد تعلّمه كلِّيَّته حتّى يتقنه، ومرونة الجدول الدّراسيّ، وعَرَضَ بعض الملحوظات والمآخذ العامّة على طريقة تعليم النّحو في المحاضر.
وطرح الدكتور بلعيد في بحثه "قضايا النّحو العربيّ بين الثّوابت وضرورات التّجديد" جملة من الحلول النّوعيّة لقضايا نحويّة معلّقة في النّحو العربيّ في المبنى والمعنى، وقضايا ما تزال محلّ بحث واجتهاد واختلاف رأي، ولم يقع الفصل النّهائي في أساسيّات التّراكيب النّحويّة، وما تزال المؤلفات في المنهج وطرائق التّدريس محلّ جدل. وأشار إلى مسألة النّحو العربيّ الذي بُنِي بناءً هرميّاً للحفاظ على المدوّنة المقدّسة من خلال استعمال العرب لغتَهم بلسانهم.
وتوزّعتْ مفاتيح البحث على محاور عدّة، هي: معنى قضايا النّحو العربيّ، والثّبات في النّحو العربيّ، وضرورة التّجديد في النّحو والعولمة اللّغويّة العربيّة. ثم قدّم عدداً من المقترحات، ومنها: ضرورة الوعي باللّغة العربيّة، ووصف العربيّة وصفاً جديداً يجمع بين الاستعمال القديم والحديث، وتدريس النّحو على أساس أنّه مادّة فكريّة، والتّعامل بما يتناسب مع الأهداف التّربويّة، ومراجعة وتقويم فائدة المقرّرات، والتّركيز على الجوانب الوظيفيّة من النّحو وغيره من علوم اللّغة العربيّة، وتنشيط المؤسّسات التّربويّة، وتحريك البحث العلميّ في اللّغة العربيّة، والاهتمام بالمدوّنات، وتخطيط السّياسات اللّغويّة والتّربويّة واستشراف المستقبل.
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات