مختلف بقلم: د. ميرفت سرحان


سلسلة في أخر الأسبوع خاطرة
مختلف

جلست مرة مع إحدى السيدات الفاضلات .. وأخذت تشكو لي سلوك وتصرفات ابنها .. فقالت: طوال اليوم "ينطنط" ويتنقل من هنا إلى هناك .. لا يجلس في مكان واحد أبدًا .. انظري إلى أخيه لا يزعج أحدًا، يبقى في غرفته يلعب بألعابه أو يتواصل مع أصدقائه .. وأكملت حديثها عنه قائلة: والدراسة يا دكتورة "مغلبني" كثير، لا يفتح كتابا، ولا يدرس لامتحان، ولا أراه يحمل قلمًا .. أما أخته فهي مجتهدة في دروسها، تحصل على علامات كاملة، ودون أن تطلب مني مساعدتها في المذاكرة .. أرجوكِ أخبريني "شو أعمل معه" يا دكتورة؟! ..
قلت لها: إن أردت بابنك خيرًا .. و أن تسدي له معروفًا .. فتوقفي فورًا عن مقارنته بغيره ..
أرى أن من أقسى المواقف التي يواجهها الشخص في حياته هي أن يتعرض للظلم .. وأحد أنواع الظلم المجحف هي مقارنه الطفل بغيره ..
في العديد من العائلات يتربى الطفل .. وهو يسمع مثل هذه العبارات طوال الوقت "انظر إلى ابن عمك لماذا حصل على علامات مرتفعة أما أنت فعلاماتك لا تَسر .. انظر إلى ابن صديق والدك ملابسه دائمًا نظيفة وهندامه جميل، أما أنت فدائمًا تبدو بمظهر غير مرتب .. انظر إلى أخيك لم تطلبني المدرسة يومًا لمشكلة افتعلها، أما أنت فدائم افتعال المشاكل والورطات .. ما الذي ينقصك؟؟! .. أظن أن ما ينقصه هو أن يتوقف عن سماع مثل هذه العبارات .. فوقع هذه العبارات على مسمعه كقرع الطبول الصاخبة .. مزعج حد الألم .. ومؤثر بحيث ينقله إلى رتبة ثانية أو درجة متأخرة عن أصدقائه وأقرانه ..
والمعضلة الكبرى أن تنتقل هذه العدوى مع الطفل عندما يكبر .. فيعتاد المقارنة، ويدخل نفسه في سلسلة من التساؤلات مثل:
لماذا لا أتقن فن لعب الكرة، بينما فلان بارع بها .. لماذا يمتلك فلان العديد من الملابس وأنا عندي القليل منها .. لماذا يعيش فلان مع عائلة كاملة، وأبي يهجر أمي .. لماذا لا يعاني فلان من مشاكل صحية وأنا ضعيف السمع .. ولماذا ولماذا ولماذا؟! .. وينسى أن يستمتع بما يمتلك، ويغفل عن أن يختبر أو أن يمارس ما يرغب، أو حتى مجرد أن يفكر فيما يحب وما يفضل ..
خلقنا الله تعالى مختلفين .. لكل منا حاجاته الخاصة .. رغباته .. ميوله .. اهتماماته .. تفضيلاته .. مواطن قوته .. مواطن ضعفه .. فلماذا نسعى لأن نخالف الطبيعة ونبذل جهدًا مضاعفا لنتشابه؟! وكأن علينا أن نكون نسخ مكررة عن بعضنا البعض .. وعندما نفشل في ذلك حيث أنه مخالف للطبيعة .. عندها نشعر بالضيق، ويسيطر علينا الألم والحزن .. ثم نبدأ بندب حظنا والتحسر على أنفسنا .. أعتقد أن الأصل في الاختلاف هو الراحة لكل واحد منا، والتكامل فيما بيننا ..
وإلا صار حالنا كصاحب المزرعة ذات الخيرات الوفيرة .. يريد أن يأكل التفاح ويشتهي لو أن طعمها كطعم البرتقال .. أو ذاك الذي يمتلك حديقة مليئة بالورد الجوري بألوانه الزاهية وأحجامه المتنوعة، ويرغب لو أنها تحمل رائحة الياسمين .. وآخر يتمنى لو أن زهر اللوز بطول النخلة .. ومن يريد للشجر أن يكون بلون السماء ..
يقول الله تبارك وتعالى: "وَمِن آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ والأرضِ واختلافُ ألسنتِكُمْ وألوانِكُمْ إنَّ في ذلكَ لآياتٍ للعالِمِين".




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :