رمضان شهر الخيرات والبركات وشهر الجود والكرم والصدقات والتواصل، وهو شهر استثنائي بكل لحظات.
(كتب : بشرى نيروخ- بترا) تبدو آسرة ونابضة بالجمال ذاكرة شهر الصوم في الماضي القريب مقارنة بالحاضر المعيش المليء حتى التخمة بالأحداث والتطورات، إضافة الى التنوع الثقافي اليومي الذي ينحت في الموروث الثقافي والاجتماعي. بالأمس القريب، كان شهر الصوم، كما يؤكد آباؤنا موضع حفاوة تنعكس على سلوك الناس والمجتمع الذي ينخرط في نسج اشكال من الفرح الغامر تقديسا لأيام الصوم التي تعزز التلاحم المجتمعي، في حين يستدعي المجتمع كل مخزونه الثري من التضامن والتكافل، لسد حاجة المعوزين دون منة. يقول المؤرخ الدكتور علي محافظة لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) كان الناس يحتفلون بقدوم شهر رمضان احتفالا كبيرا، ويعدون له العدة اللازمة، لما كان معظم سكان الأردن في أربعينات وخمسينات القرن العشرين، من الفلاحين سكان القرى. ويضيف: كانت عاداتهم في غاية في البساطة، فهم يعدون لرمضان المواد الأساسية التي يحتاجونها في غذائهم ويبتاعون مطويات قمر الدين المصنوع من المشمش، حيث كانوا ينقعونها ويهرسونها بالماء الساخن ويعدونها كشراب قبل الإفطار في كل يوم من أيام رمضان. ويلفت محافظة الى أن الناس كانوا خلال هذه المدة يستقبلون الفقراء والمعوزين ويهتمون بهم اهتماما كبيرا باعتبار الصدقة عبادة مهمة. ولا يرى محافظة عجبا حين يلجأ كثير من الفقراء إلى المساجد للإقامة بها خلال شهر رمضان حيث كان الفلاحون حينها يتسابقون لتوفير طعام الإفطار لهم في كل يوم. ويستذكر أن الصغار كانوا يتنافسون فيما بينهم على الصوم، فمنهم من يصوم النهار كاملا ومنهم من يصوم ثلاثة أرباع اليوم ولكنهم كانوا جميعا حريصين على رؤية المؤذن وهو يؤذن لوقت الغروب والإفطار وعندها تنطلق صيحاتهم فرحا وابتهاجا.
ويضيف : في عيد رمضان كان جميع الناس يجتمعون وأهل القرية كلهم يذهبون إلى المقبرة يقرأون الفاتحة على أمواتهم بعد صلاة العيد ثم يجولون على بيوت القرية للمعايدة على أهلها وكانوا أحيانا يتبادلون الهدايا والحلوى، مشيرا إلى أن عادات أهل القرى في رمضان تختلف قليلا عن عادات أهل المدن.
ويقول الباحث نايف النوايسة ان شهر رمضان هو شهر الله وشهر الخيرات والبركات كما كان يقول آباؤنا وأجدادنا وشهر الجود والكرم والصدقات والتواصل، وهو شهر استثنائي بكل لحظاته، وكأن الجوع يخفف من قساوة القلب ليرى الإنسان من بوابة الرحمة والطاعات ما كان محجوبا عليه في شهور سابقة وهو يلهث وراء الدنيا وزينتها.
ويضيف: لم يكن اهلنا قديما غلاظ القلوب بل كانوا أكثر مودة وحميمية لأن الطمع لم يلوث نفوسهم وكانوا في مأمن من لوثة التكنولوجيا التي عصفت بالمشاعر والوجدان وحولت الإنسان إلى ما يشبه الشيء، كائن مستهلك، وغابت عنه الكثير من الأعراف والتقاليد والعادات الحميدة.
ويستطرد في حديثه قائلا: 'قديما كنا بانتظار شهر رمضان، والناس يدعون اللهم بلغنا رمضان لا فاقدين ولا مفقودين، وكانوا يحضرون (مونة) الشهر الكريم من السوق مثل الطحين والسكر والعيش والعدس، والتمر وقمر دين والقهوة ، أما اللحوم واللبن والسمن فهي متوفرة في بيوت القرية لأنهم أصحاب اغنام'.
ويبين أنهم كانوا يعدون الأيام بدقة ويراقبون الهلال دون أن يعتمدوا مصادر خارجية فلم تكن وسائل التواصل والإعلام معروفة ويربطون ما بين (دبة) مدفع رمضان عند قلعة الكرك وبين مراقبة الهلال، فإذا ثبت لهم حلول الشهر المبارك أشعلوا النيران واطلقوا العيارات النارية كي تعلم بقية (العربان) بحلول شهر رمضان، أما في المدن والقرى فيتم الإخبار عن طريق المآذن ومدفع رمضان في ليلة ثبوت الشهر.
وعن تسمية اليوم الأول من شهر رمضان بغرة رمضان بين أن ذلك تشبيها له بخصلة الشعر التي تعتلي الرأس، وأول كل شهر هجري هو غرة، لكن غرة رمضان ارتبطت بلقاء الأسرة على طعام واحدة، حتى أن بعضهم يسميها (ليلة الغرة) كشكل من أشكال التأريخ، وفقا للنوايسة
ويلفت إلى أن قيمة رمضان الروحية تكمن في اجوائه الخاصة التي يسود فيها التواد بين الناس والتصافي والمحبة، ويعد شق شيخ (العرب) أو ديوان المختار أو الحمولة منصة رمضانية يلتقي فيها كل الساكنين في تلك المرابع والحارة، يتناولون في معظم الوقت فطور رمضان دون أن يغفلوا حصة النساء والأطفال، وكانون يتفقدون بعضهم ويصلحون بين المتخاصمين ولا يغيب عنهم المريض والمرأة النفساء ويسمونها (الحورية) ويبعثون لهما من اطيب الطعام.
ويشير النوايسة إلى أن الكبار كانوا يقضون نهارهم بقراءة القرآن الكريم وحفظه، وقبل الإفطار كان البعض يلعب لعبة (السيجة) بعد رسمها على التراب وينتقي اللاعبون حجارة صغيرة أو نوى التمر لممارسة اللعبة وهي من العاب الذكاء، إضافة إلى لعبة (الطاب) وتلعب على المصاطب أو الأرض ولا بد من الخشبات الأربع والحجارة الصغيرة لممارستها وهي لعبة ذهنية تحتاج إلى ذكاء وانتباه، معربا عن حزنه لغياب الكثير من الصور الرمضانية الجميلة.
ويصف وجبات الإفطار في تلك الأيام مثل (العيش) وهو جريش القمح المطبوخ باللبن واللحم ونسميه اليوم (المنسف)، وأحيانا كان الناس يكتفون بالعيش واللبن، ويخبزون الشراك او خبز الطابون أو خبز (العربود) الذي يتم إعداده على الرمال الساخنة جدا ثم يفت مع السمن واللبن وأحيانا بالحليب، وبعد الإفطار يتم تجهيز القهوة على النار وتسكب في الدلال، كما يعد الشاي ويوزع على الموجودين.
ويستذكر النوايسة أجمل الصور الرمضانية التي يعكسها (المسحراتي) وتراتيله المأثورة مثل (يا صائم وحد الدايم)، (وحدوه لا اله الا هو)، (يا غافي وحد الله) لايقاظ الناس لتناول وجبة السحور وأحيانا يقرع على هذا الباب او ذاك وبخاصة ام الأيتام أو كبار السن، وكان بعض الأطفال يلحقون به ويرددون أقواله. على أن الباحث والمفكر فراس السرحان، يرى في رمضان مدرسة تربوية ننهل خلاله أجمل الخلق والتحلي بالصبر والتعاون والرحمة والألفة، ومن مظاهر ذلك تبادل الجيران الطعام وحين الإفطار تجد معظم البيوت وكأنها على مأدبة كبيرة، مشيرا كذلك الى إحدى أبرز العادات وهي زيارة دعوة العنايا والأرحام ودعوتهم على الإفطار. 'ليتها تعود تلك المجالس الرمضانية' يقول السرحان 'والتي كانت تجمع الكبار من أهلنا وكيف كنا نتعلم منها العادات والتقاليد والفكر والشيم الطيبة وقصص الكرم والشهامة وكان الصغار يجلسون للاستماع والتعلم وتدور الحوارات'. رئيس قسم الاجتماع في جامعة مؤتة الدكتور زيد الشمايلة، يقول، ان البساطة كانت وما زالت من العوامل التي تعزز العلاقات بين الناس الذين كانوا مترابطين متعاونين متكاتفين ، لا يعتبون ولا يتذمرون على ما يقدم لهم، وهذا له عدة اسباب منها بطبيعة الحال البساطة التي كانت سائدة بينهم فلا عتاب لغياب ولا لوم لتقصير ولا غضب لانحراف، وان كان هناك التزامات نحو البعض فقد كانت لا تزيد الاعباء على الشخص لأنه كما يقول المثل 'الجود من الموجود '. ويشدد على أن هذه البساطة التي نتمناها ونستذركها كل يوم مسمتدة من الدين الاسلامي السمح الذي حثنا عليها وجعلها من السلوكيات الايمانية، مشيرا الى أن العلاقات الاجتماعية بين الاردنيين سابقا كانت مثلا يحتذى. لأنها كانت تقوم على العادات والتقاليد المحمودة فكان نتيجة ذلك ترابط بين افراد المجتمع وفزعة من الجار لجاره ومن القريب لقريبه، ومن القوي للضعيف ومن الصغير للكبير ولم نكن نشعر بوجود المحتاجين أو المتسولين او طارقي ابواب المسؤولين لدعم مادي او مساعدة طارئة للشتاء أو لتأمين مستلزمات شهر رمضان او المدارس أو غير ذلك، لأن العادات والتقاليد المجتمعية المستندة الى الدين الاسلامي ونخوة الشعب وايمانه بحق مجتمعه عليه لا تسمح له بالتقصير نحو المحتاج سواء كان قريبا او غريبا.
رمضان شهر الخيرات والبركات وشهر الجود والكرم والصدقات والتواصل، وهو شهر استثنائي بكل لحظات.
(كتب : بشرى نيروخ- بترا) تبدو آسرة ونابضة بالجمال ذاكرة شهر الصوم في الماضي القريب مقارنة بالحاضر المعيش المليء حتى التخمة بالأحداث والتطورات، إضافة الى التنوع الثقافي اليومي الذي ينحت في الموروث الثقافي والاجتماعي. بالأمس القريب، كان شهر الصوم، كما يؤكد آباؤنا موضع حفاوة تنعكس على سلوك الناس والمجتمع الذي ينخرط في نسج اشكال من الفرح الغامر تقديسا لأيام الصوم التي تعزز التلاحم المجتمعي، في حين يستدعي المجتمع كل مخزونه الثري من التضامن والتكافل، لسد حاجة المعوزين دون منة. يقول المؤرخ الدكتور علي محافظة لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) كان الناس يحتفلون بقدوم شهر رمضان احتفالا كبيرا، ويعدون له العدة اللازمة، لما كان معظم سكان الأردن في أربعينات وخمسينات القرن العشرين، من الفلاحين سكان القرى. ويضيف: كانت عاداتهم في غاية في البساطة، فهم يعدون لرمضان المواد الأساسية التي يحتاجونها في غذائهم ويبتاعون مطويات قمر الدين المصنوع من المشمش، حيث كانوا ينقعونها ويهرسونها بالماء الساخن ويعدونها كشراب قبل الإفطار في كل يوم من أيام رمضان. ويلفت محافظة الى أن الناس كانوا خلال هذه المدة يستقبلون الفقراء والمعوزين ويهتمون بهم اهتماما كبيرا باعتبار الصدقة عبادة مهمة. ولا يرى محافظة عجبا حين يلجأ كثير من الفقراء إلى المساجد للإقامة بها خلال شهر رمضان حيث كان الفلاحون حينها يتسابقون لتوفير طعام الإفطار لهم في كل يوم. ويستذكر أن الصغار كانوا يتنافسون فيما بينهم على الصوم، فمنهم من يصوم النهار كاملا ومنهم من يصوم ثلاثة أرباع اليوم ولكنهم كانوا جميعا حريصين على رؤية المؤذن وهو يؤذن لوقت الغروب والإفطار وعندها تنطلق صيحاتهم فرحا وابتهاجا.
ويضيف : في عيد رمضان كان جميع الناس يجتمعون وأهل القرية كلهم يذهبون إلى المقبرة يقرأون الفاتحة على أمواتهم بعد صلاة العيد ثم يجولون على بيوت القرية للمعايدة على أهلها وكانوا أحيانا يتبادلون الهدايا والحلوى، مشيرا إلى أن عادات أهل القرى في رمضان تختلف قليلا عن عادات أهل المدن.
ويقول الباحث نايف النوايسة ان شهر رمضان هو شهر الله وشهر الخيرات والبركات كما كان يقول آباؤنا وأجدادنا وشهر الجود والكرم والصدقات والتواصل، وهو شهر استثنائي بكل لحظاته، وكأن الجوع يخفف من قساوة القلب ليرى الإنسان من بوابة الرحمة والطاعات ما كان محجوبا عليه في شهور سابقة وهو يلهث وراء الدنيا وزينتها.
ويضيف: لم يكن اهلنا قديما غلاظ القلوب بل كانوا أكثر مودة وحميمية لأن الطمع لم يلوث نفوسهم وكانوا في مأمن من لوثة التكنولوجيا التي عصفت بالمشاعر والوجدان وحولت الإنسان إلى ما يشبه الشيء، كائن مستهلك، وغابت عنه الكثير من الأعراف والتقاليد والعادات الحميدة.
ويستطرد في حديثه قائلا: 'قديما كنا بانتظار شهر رمضان، والناس يدعون اللهم بلغنا رمضان لا فاقدين ولا مفقودين، وكانوا يحضرون (مونة) الشهر الكريم من السوق مثل الطحين والسكر والعيش والعدس، والتمر وقمر دين والقهوة ، أما اللحوم واللبن والسمن فهي متوفرة في بيوت القرية لأنهم أصحاب اغنام'.
ويبين أنهم كانوا يعدون الأيام بدقة ويراقبون الهلال دون أن يعتمدوا مصادر خارجية فلم تكن وسائل التواصل والإعلام معروفة ويربطون ما بين (دبة) مدفع رمضان عند قلعة الكرك وبين مراقبة الهلال، فإذا ثبت لهم حلول الشهر المبارك أشعلوا النيران واطلقوا العيارات النارية كي تعلم بقية (العربان) بحلول شهر رمضان، أما في المدن والقرى فيتم الإخبار عن طريق المآذن ومدفع رمضان في ليلة ثبوت الشهر.
وعن تسمية اليوم الأول من شهر رمضان بغرة رمضان بين أن ذلك تشبيها له بخصلة الشعر التي تعتلي الرأس، وأول كل شهر هجري هو غرة، لكن غرة رمضان ارتبطت بلقاء الأسرة على طعام واحدة، حتى أن بعضهم يسميها (ليلة الغرة) كشكل من أشكال التأريخ، وفقا للنوايسة
ويلفت إلى أن قيمة رمضان الروحية تكمن في اجوائه الخاصة التي يسود فيها التواد بين الناس والتصافي والمحبة، ويعد شق شيخ (العرب) أو ديوان المختار أو الحمولة منصة رمضانية يلتقي فيها كل الساكنين في تلك المرابع والحارة، يتناولون في معظم الوقت فطور رمضان دون أن يغفلوا حصة النساء والأطفال، وكانون يتفقدون بعضهم ويصلحون بين المتخاصمين ولا يغيب عنهم المريض والمرأة النفساء ويسمونها (الحورية) ويبعثون لهما من اطيب الطعام.
ويشير النوايسة إلى أن الكبار كانوا يقضون نهارهم بقراءة القرآن الكريم وحفظه، وقبل الإفطار كان البعض يلعب لعبة (السيجة) بعد رسمها على التراب وينتقي اللاعبون حجارة صغيرة أو نوى التمر لممارسة اللعبة وهي من العاب الذكاء، إضافة إلى لعبة (الطاب) وتلعب على المصاطب أو الأرض ولا بد من الخشبات الأربع والحجارة الصغيرة لممارستها وهي لعبة ذهنية تحتاج إلى ذكاء وانتباه، معربا عن حزنه لغياب الكثير من الصور الرمضانية الجميلة.
ويصف وجبات الإفطار في تلك الأيام مثل (العيش) وهو جريش القمح المطبوخ باللبن واللحم ونسميه اليوم (المنسف)، وأحيانا كان الناس يكتفون بالعيش واللبن، ويخبزون الشراك او خبز الطابون أو خبز (العربود) الذي يتم إعداده على الرمال الساخنة جدا ثم يفت مع السمن واللبن وأحيانا بالحليب، وبعد الإفطار يتم تجهيز القهوة على النار وتسكب في الدلال، كما يعد الشاي ويوزع على الموجودين.
ويستذكر النوايسة أجمل الصور الرمضانية التي يعكسها (المسحراتي) وتراتيله المأثورة مثل (يا صائم وحد الدايم)، (وحدوه لا اله الا هو)، (يا غافي وحد الله) لايقاظ الناس لتناول وجبة السحور وأحيانا يقرع على هذا الباب او ذاك وبخاصة ام الأيتام أو كبار السن، وكان بعض الأطفال يلحقون به ويرددون أقواله. على أن الباحث والمفكر فراس السرحان، يرى في رمضان مدرسة تربوية ننهل خلاله أجمل الخلق والتحلي بالصبر والتعاون والرحمة والألفة، ومن مظاهر ذلك تبادل الجيران الطعام وحين الإفطار تجد معظم البيوت وكأنها على مأدبة كبيرة، مشيرا كذلك الى إحدى أبرز العادات وهي زيارة دعوة العنايا والأرحام ودعوتهم على الإفطار. 'ليتها تعود تلك المجالس الرمضانية' يقول السرحان 'والتي كانت تجمع الكبار من أهلنا وكيف كنا نتعلم منها العادات والتقاليد والفكر والشيم الطيبة وقصص الكرم والشهامة وكان الصغار يجلسون للاستماع والتعلم وتدور الحوارات'. رئيس قسم الاجتماع في جامعة مؤتة الدكتور زيد الشمايلة، يقول، ان البساطة كانت وما زالت من العوامل التي تعزز العلاقات بين الناس الذين كانوا مترابطين متعاونين متكاتفين ، لا يعتبون ولا يتذمرون على ما يقدم لهم، وهذا له عدة اسباب منها بطبيعة الحال البساطة التي كانت سائدة بينهم فلا عتاب لغياب ولا لوم لتقصير ولا غضب لانحراف، وان كان هناك التزامات نحو البعض فقد كانت لا تزيد الاعباء على الشخص لأنه كما يقول المثل 'الجود من الموجود '. ويشدد على أن هذه البساطة التي نتمناها ونستذركها كل يوم مسمتدة من الدين الاسلامي السمح الذي حثنا عليها وجعلها من السلوكيات الايمانية، مشيرا الى أن العلاقات الاجتماعية بين الاردنيين سابقا كانت مثلا يحتذى. لأنها كانت تقوم على العادات والتقاليد المحمودة فكان نتيجة ذلك ترابط بين افراد المجتمع وفزعة من الجار لجاره ومن القريب لقريبه، ومن القوي للضعيف ومن الصغير للكبير ولم نكن نشعر بوجود المحتاجين أو المتسولين او طارقي ابواب المسؤولين لدعم مادي او مساعدة طارئة للشتاء أو لتأمين مستلزمات شهر رمضان او المدارس أو غير ذلك، لأن العادات والتقاليد المجتمعية المستندة الى الدين الاسلامي ونخوة الشعب وايمانه بحق مجتمعه عليه لا تسمح له بالتقصير نحو المحتاج سواء كان قريبا او غريبا.
رمضان شهر الخيرات والبركات وشهر الجود والكرم والصدقات والتواصل، وهو شهر استثنائي بكل لحظات.
(كتب : بشرى نيروخ- بترا) تبدو آسرة ونابضة بالجمال ذاكرة شهر الصوم في الماضي القريب مقارنة بالحاضر المعيش المليء حتى التخمة بالأحداث والتطورات، إضافة الى التنوع الثقافي اليومي الذي ينحت في الموروث الثقافي والاجتماعي. بالأمس القريب، كان شهر الصوم، كما يؤكد آباؤنا موضع حفاوة تنعكس على سلوك الناس والمجتمع الذي ينخرط في نسج اشكال من الفرح الغامر تقديسا لأيام الصوم التي تعزز التلاحم المجتمعي، في حين يستدعي المجتمع كل مخزونه الثري من التضامن والتكافل، لسد حاجة المعوزين دون منة. يقول المؤرخ الدكتور علي محافظة لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) كان الناس يحتفلون بقدوم شهر رمضان احتفالا كبيرا، ويعدون له العدة اللازمة، لما كان معظم سكان الأردن في أربعينات وخمسينات القرن العشرين، من الفلاحين سكان القرى. ويضيف: كانت عاداتهم في غاية في البساطة، فهم يعدون لرمضان المواد الأساسية التي يحتاجونها في غذائهم ويبتاعون مطويات قمر الدين المصنوع من المشمش، حيث كانوا ينقعونها ويهرسونها بالماء الساخن ويعدونها كشراب قبل الإفطار في كل يوم من أيام رمضان. ويلفت محافظة الى أن الناس كانوا خلال هذه المدة يستقبلون الفقراء والمعوزين ويهتمون بهم اهتماما كبيرا باعتبار الصدقة عبادة مهمة. ولا يرى محافظة عجبا حين يلجأ كثير من الفقراء إلى المساجد للإقامة بها خلال شهر رمضان حيث كان الفلاحون حينها يتسابقون لتوفير طعام الإفطار لهم في كل يوم. ويستذكر أن الصغار كانوا يتنافسون فيما بينهم على الصوم، فمنهم من يصوم النهار كاملا ومنهم من يصوم ثلاثة أرباع اليوم ولكنهم كانوا جميعا حريصين على رؤية المؤذن وهو يؤذن لوقت الغروب والإفطار وعندها تنطلق صيحاتهم فرحا وابتهاجا.
ويضيف : في عيد رمضان كان جميع الناس يجتمعون وأهل القرية كلهم يذهبون إلى المقبرة يقرأون الفاتحة على أمواتهم بعد صلاة العيد ثم يجولون على بيوت القرية للمعايدة على أهلها وكانوا أحيانا يتبادلون الهدايا والحلوى، مشيرا إلى أن عادات أهل القرى في رمضان تختلف قليلا عن عادات أهل المدن.
ويقول الباحث نايف النوايسة ان شهر رمضان هو شهر الله وشهر الخيرات والبركات كما كان يقول آباؤنا وأجدادنا وشهر الجود والكرم والصدقات والتواصل، وهو شهر استثنائي بكل لحظاته، وكأن الجوع يخفف من قساوة القلب ليرى الإنسان من بوابة الرحمة والطاعات ما كان محجوبا عليه في شهور سابقة وهو يلهث وراء الدنيا وزينتها.
ويضيف: لم يكن اهلنا قديما غلاظ القلوب بل كانوا أكثر مودة وحميمية لأن الطمع لم يلوث نفوسهم وكانوا في مأمن من لوثة التكنولوجيا التي عصفت بالمشاعر والوجدان وحولت الإنسان إلى ما يشبه الشيء، كائن مستهلك، وغابت عنه الكثير من الأعراف والتقاليد والعادات الحميدة.
ويستطرد في حديثه قائلا: 'قديما كنا بانتظار شهر رمضان، والناس يدعون اللهم بلغنا رمضان لا فاقدين ولا مفقودين، وكانوا يحضرون (مونة) الشهر الكريم من السوق مثل الطحين والسكر والعيش والعدس، والتمر وقمر دين والقهوة ، أما اللحوم واللبن والسمن فهي متوفرة في بيوت القرية لأنهم أصحاب اغنام'.
ويبين أنهم كانوا يعدون الأيام بدقة ويراقبون الهلال دون أن يعتمدوا مصادر خارجية فلم تكن وسائل التواصل والإعلام معروفة ويربطون ما بين (دبة) مدفع رمضان عند قلعة الكرك وبين مراقبة الهلال، فإذا ثبت لهم حلول الشهر المبارك أشعلوا النيران واطلقوا العيارات النارية كي تعلم بقية (العربان) بحلول شهر رمضان، أما في المدن والقرى فيتم الإخبار عن طريق المآذن ومدفع رمضان في ليلة ثبوت الشهر.
وعن تسمية اليوم الأول من شهر رمضان بغرة رمضان بين أن ذلك تشبيها له بخصلة الشعر التي تعتلي الرأس، وأول كل شهر هجري هو غرة، لكن غرة رمضان ارتبطت بلقاء الأسرة على طعام واحدة، حتى أن بعضهم يسميها (ليلة الغرة) كشكل من أشكال التأريخ، وفقا للنوايسة
ويلفت إلى أن قيمة رمضان الروحية تكمن في اجوائه الخاصة التي يسود فيها التواد بين الناس والتصافي والمحبة، ويعد شق شيخ (العرب) أو ديوان المختار أو الحمولة منصة رمضانية يلتقي فيها كل الساكنين في تلك المرابع والحارة، يتناولون في معظم الوقت فطور رمضان دون أن يغفلوا حصة النساء والأطفال، وكانون يتفقدون بعضهم ويصلحون بين المتخاصمين ولا يغيب عنهم المريض والمرأة النفساء ويسمونها (الحورية) ويبعثون لهما من اطيب الطعام.
ويشير النوايسة إلى أن الكبار كانوا يقضون نهارهم بقراءة القرآن الكريم وحفظه، وقبل الإفطار كان البعض يلعب لعبة (السيجة) بعد رسمها على التراب وينتقي اللاعبون حجارة صغيرة أو نوى التمر لممارسة اللعبة وهي من العاب الذكاء، إضافة إلى لعبة (الطاب) وتلعب على المصاطب أو الأرض ولا بد من الخشبات الأربع والحجارة الصغيرة لممارستها وهي لعبة ذهنية تحتاج إلى ذكاء وانتباه، معربا عن حزنه لغياب الكثير من الصور الرمضانية الجميلة.
ويصف وجبات الإفطار في تلك الأيام مثل (العيش) وهو جريش القمح المطبوخ باللبن واللحم ونسميه اليوم (المنسف)، وأحيانا كان الناس يكتفون بالعيش واللبن، ويخبزون الشراك او خبز الطابون أو خبز (العربود) الذي يتم إعداده على الرمال الساخنة جدا ثم يفت مع السمن واللبن وأحيانا بالحليب، وبعد الإفطار يتم تجهيز القهوة على النار وتسكب في الدلال، كما يعد الشاي ويوزع على الموجودين.
ويستذكر النوايسة أجمل الصور الرمضانية التي يعكسها (المسحراتي) وتراتيله المأثورة مثل (يا صائم وحد الدايم)، (وحدوه لا اله الا هو)، (يا غافي وحد الله) لايقاظ الناس لتناول وجبة السحور وأحيانا يقرع على هذا الباب او ذاك وبخاصة ام الأيتام أو كبار السن، وكان بعض الأطفال يلحقون به ويرددون أقواله. على أن الباحث والمفكر فراس السرحان، يرى في رمضان مدرسة تربوية ننهل خلاله أجمل الخلق والتحلي بالصبر والتعاون والرحمة والألفة، ومن مظاهر ذلك تبادل الجيران الطعام وحين الإفطار تجد معظم البيوت وكأنها على مأدبة كبيرة، مشيرا كذلك الى إحدى أبرز العادات وهي زيارة دعوة العنايا والأرحام ودعوتهم على الإفطار. 'ليتها تعود تلك المجالس الرمضانية' يقول السرحان 'والتي كانت تجمع الكبار من أهلنا وكيف كنا نتعلم منها العادات والتقاليد والفكر والشيم الطيبة وقصص الكرم والشهامة وكان الصغار يجلسون للاستماع والتعلم وتدور الحوارات'. رئيس قسم الاجتماع في جامعة مؤتة الدكتور زيد الشمايلة، يقول، ان البساطة كانت وما زالت من العوامل التي تعزز العلاقات بين الناس الذين كانوا مترابطين متعاونين متكاتفين ، لا يعتبون ولا يتذمرون على ما يقدم لهم، وهذا له عدة اسباب منها بطبيعة الحال البساطة التي كانت سائدة بينهم فلا عتاب لغياب ولا لوم لتقصير ولا غضب لانحراف، وان كان هناك التزامات نحو البعض فقد كانت لا تزيد الاعباء على الشخص لأنه كما يقول المثل 'الجود من الموجود '. ويشدد على أن هذه البساطة التي نتمناها ونستذركها كل يوم مسمتدة من الدين الاسلامي السمح الذي حثنا عليها وجعلها من السلوكيات الايمانية، مشيرا الى أن العلاقات الاجتماعية بين الاردنيين سابقا كانت مثلا يحتذى. لأنها كانت تقوم على العادات والتقاليد المحمودة فكان نتيجة ذلك ترابط بين افراد المجتمع وفزعة من الجار لجاره ومن القريب لقريبه، ومن القوي للضعيف ومن الصغير للكبير ولم نكن نشعر بوجود المحتاجين أو المتسولين او طارقي ابواب المسؤولين لدعم مادي او مساعدة طارئة للشتاء أو لتأمين مستلزمات شهر رمضان او المدارس أو غير ذلك، لأن العادات والتقاليد المجتمعية المستندة الى الدين الاسلامي ونخوة الشعب وايمانه بحق مجتمعه عليه لا تسمح له بالتقصير نحو المحتاج سواء كان قريبا او غريبا.
التعليقات
رمضان في الذاكرة الشعبية .. صور نابضة بالألفة والتراحم
التعليقات