أصبحت الجاهات وتزعمها تقليدا راسخا في الثقافة الشعبية الأردنية .هذه الجاهات والسعي لتزعمها قد تكون جاهات صلح عشائري أو خطبة عروس أو تسوية لنزاعات مختلفة.بالتأكيد أن هذه الجاهات مستمدة من تاريخ اجتماعي ضارب في القدم وتعود جذوره إلى عصر غياب مؤسسات الدولة التي تتولى حل النزاعات، والقضاء فيما ينشأ من خلافات بين الناس، أو في مجال إبرام عقود الزواج أو غيرها. الملفت هو استمرار لا بل ازدياد إقبال الأردنيين على الجاهات وتزعمها حتى أصبح كل شيء يحتاج إلى جاهة حيث أصبح الزواج يحتاج إلى جاهة، والعطوة العشائرية تحتاج إلى جاهة، والصلح العشائري يحتاج إلى جاهة، وحل الخلاف والتلاسن بين الأفراد يحتاج الى جاهة، وخسارة جولات انتخابية لمجلس النواب تحتاج إلى جاهة، وحوادث السير تحتاج إلى جاهة، ورد الزوجة 'الحردانة' إلى بيت زوجها يحتاج الى جاهة. في الوقت الذي لم يعد يسترعي انتباه الأردنيين تزاحم السياسيين وزراء ورؤساء حكومات حاليين وسابقين على ترأس الجاهات ،حيث أصبح ذلك أمرا اعتياديا ، فإن تزايد وتيرة انغماس وإقبال أكاديميين ورؤساء وأساتذة الجامعات على ارتياد هذا المجال الذي لا ينسجم كثيرا مع المعطيات والخلفيات العلمية والمتطلبات الموضوعية لمهنهم أصبح مقلقا وملفت للانتباه .لا نعلم كيف يمكن لمهندس بارز اشتهر بعلمه واكتشافاته في مجال الجينات والهندسة الوراثية أن يتحول إلى شيخا عشائريا جل اهتمامه هو عقد الصلح أو خطبة العروس ؟ولا نعلم كيف لطبيب نطاسي وجراح بارع في فرع دقيق من فروع الطب البشري أن يتحول لا بل وتتحوصل مهاراته ليصبح زعيم لجاهة عشائرية ؟ ولا نعلم أيضا كيف يتحول بقدرة قادر خبير في الكيمياء العضوية أو الفيزياء النووية ألى رئيس جاهة لطلب يد عروس ؟ الأكاديميون والمؤسسات الأكاديمية التي ينتمون لها يشكلون وكلاء التغيير في مجتمعاتهم وعليهم يقع كاهل إحداث التغيير القيمي وتعديل اتجاهات الناس نحو القضايا المجتمعية، فما الذي يستهوي رؤساء وأساتذة الجامعات في الولوج لباب وميدان يمكن أن يتقنه الكثيرون ممن لا يحملون حتى الشهادة الثانوية أو الإعدادية! هل هو الشعور بالرغبة في النمو والظهور المجتمعي وتلميع الذات؟وإن كان الأمر كذلك لماذا لا يتم تحقيق هذا النمو من خلال مؤسسات التعليم الجامعي نفسها عن طريق البحوث والمشاريع البحثية والتميز الأكاديمي والحصول على براءات الاختراع مثلا؟أم أن المجتمع وتقاليده وتقاليد مؤسساته الرسمية وغير الرسمية لا تثمن مثل هذا النمو المهني والتخصصي سواء في مجال الطب أو الهندسة أو القانون أو الإعلام أو غيرها بقدر ما تكافئ وتعزز الانخراط في الجاهات وتحقيق مكاسب شعبية سريعة تعزز مكانة الأكاديمي في المجتمع!في مثل هذه الحالة يتساءل المرء حول الفارق بين الأكاديمي المتنور المتخصص وبين عامة الناس من غير المتعلمين الذين اختاروا خط التخصص في الجاهات واللهث وراء الزعامة وتعزيز الرصيد الجماهيري والشعبي! مؤسسات الدولة الحديثة أصبحت تؤدي معظم الوظائف الأمنية والقضائية والاجتماعية التي كانت تؤديها الجاهات. المحاكم والدوائر الأمنية والبحث الجنائي والقوانين والأحوال المدنية وشركات التأمين كلها مؤسسات أصبحت تمارس الأدوار الاجتماعية التي كانت تؤديها الجاهات في الماضي عندما كانت مؤسسات الدولة غائبة. لا نعلم المسوغات المقنعة لاستمرار الجاهات(على الطالع والنازل) وخصوصا تلك التي يترأسها أصحاب الدولة وحديثا دخل بعض رؤساء وأساتذة الجامعات مسرح الجاهات. كثير مما يمارس في الجاهات يدخل في باب البهرجة والنفاق؛ حيث تصبح الجاهة مجرد منصة لحديث مكرر واسطوانة ممجوجة ويغلب عليه ذغدغة العواطف وشحن التعصب العشائري والقبلي ولي الحقائق أو التغاضي عنها وأحيانا أخرى يتم إهدار حقوق المجني عليهم تحت باب التسامح في الوقت الذي يعيش ذوي المغدور طيلة حياتهم فقراء بسبب ما ارتكب بحق معيلهم الذي تم التسامح بدمه إكراما للجاهة الكريمة. الجاهات العشائرية أصبحت اسلوب حياة حيث أن اللجوء إليها بهذا الشكل المفرط يهمش أهمية الأبعاد القانونية والحقوقية للناس ،كما أنه ينمي سلوكيات نفاقية لدى الناشئة وخصوصا في مجال المصاهرة وخطبة العرايس حيث يكون كل شيء مكتوب ومنتهي ثم تأتي الجاهة ويحجم طالب العروس عن شرب القهوة لريثما يتم قبول طلب المصاهرة !الأكاديميون وأساتذة الجامعات ينبغي أن لا يتزاحموا مع القوى التقليدية في المجتمع لتزعم الجاهات ،وعليهم أن يحققوا مجال نموهم وتقدمهم وبروزهم من خلال الحقول العلمية التي تم إعدادهم عليها فهل من مدكر...
د. أنيس الخصاونة
أصبحت الجاهات وتزعمها تقليدا راسخا في الثقافة الشعبية الأردنية .هذه الجاهات والسعي لتزعمها قد تكون جاهات صلح عشائري أو خطبة عروس أو تسوية لنزاعات مختلفة.بالتأكيد أن هذه الجاهات مستمدة من تاريخ اجتماعي ضارب في القدم وتعود جذوره إلى عصر غياب مؤسسات الدولة التي تتولى حل النزاعات، والقضاء فيما ينشأ من خلافات بين الناس، أو في مجال إبرام عقود الزواج أو غيرها. الملفت هو استمرار لا بل ازدياد إقبال الأردنيين على الجاهات وتزعمها حتى أصبح كل شيء يحتاج إلى جاهة حيث أصبح الزواج يحتاج إلى جاهة، والعطوة العشائرية تحتاج إلى جاهة، والصلح العشائري يحتاج إلى جاهة، وحل الخلاف والتلاسن بين الأفراد يحتاج الى جاهة، وخسارة جولات انتخابية لمجلس النواب تحتاج إلى جاهة، وحوادث السير تحتاج إلى جاهة، ورد الزوجة 'الحردانة' إلى بيت زوجها يحتاج الى جاهة. في الوقت الذي لم يعد يسترعي انتباه الأردنيين تزاحم السياسيين وزراء ورؤساء حكومات حاليين وسابقين على ترأس الجاهات ،حيث أصبح ذلك أمرا اعتياديا ، فإن تزايد وتيرة انغماس وإقبال أكاديميين ورؤساء وأساتذة الجامعات على ارتياد هذا المجال الذي لا ينسجم كثيرا مع المعطيات والخلفيات العلمية والمتطلبات الموضوعية لمهنهم أصبح مقلقا وملفت للانتباه .لا نعلم كيف يمكن لمهندس بارز اشتهر بعلمه واكتشافاته في مجال الجينات والهندسة الوراثية أن يتحول إلى شيخا عشائريا جل اهتمامه هو عقد الصلح أو خطبة العروس ؟ولا نعلم كيف لطبيب نطاسي وجراح بارع في فرع دقيق من فروع الطب البشري أن يتحول لا بل وتتحوصل مهاراته ليصبح زعيم لجاهة عشائرية ؟ ولا نعلم أيضا كيف يتحول بقدرة قادر خبير في الكيمياء العضوية أو الفيزياء النووية ألى رئيس جاهة لطلب يد عروس ؟ الأكاديميون والمؤسسات الأكاديمية التي ينتمون لها يشكلون وكلاء التغيير في مجتمعاتهم وعليهم يقع كاهل إحداث التغيير القيمي وتعديل اتجاهات الناس نحو القضايا المجتمعية، فما الذي يستهوي رؤساء وأساتذة الجامعات في الولوج لباب وميدان يمكن أن يتقنه الكثيرون ممن لا يحملون حتى الشهادة الثانوية أو الإعدادية! هل هو الشعور بالرغبة في النمو والظهور المجتمعي وتلميع الذات؟وإن كان الأمر كذلك لماذا لا يتم تحقيق هذا النمو من خلال مؤسسات التعليم الجامعي نفسها عن طريق البحوث والمشاريع البحثية والتميز الأكاديمي والحصول على براءات الاختراع مثلا؟أم أن المجتمع وتقاليده وتقاليد مؤسساته الرسمية وغير الرسمية لا تثمن مثل هذا النمو المهني والتخصصي سواء في مجال الطب أو الهندسة أو القانون أو الإعلام أو غيرها بقدر ما تكافئ وتعزز الانخراط في الجاهات وتحقيق مكاسب شعبية سريعة تعزز مكانة الأكاديمي في المجتمع!في مثل هذه الحالة يتساءل المرء حول الفارق بين الأكاديمي المتنور المتخصص وبين عامة الناس من غير المتعلمين الذين اختاروا خط التخصص في الجاهات واللهث وراء الزعامة وتعزيز الرصيد الجماهيري والشعبي! مؤسسات الدولة الحديثة أصبحت تؤدي معظم الوظائف الأمنية والقضائية والاجتماعية التي كانت تؤديها الجاهات. المحاكم والدوائر الأمنية والبحث الجنائي والقوانين والأحوال المدنية وشركات التأمين كلها مؤسسات أصبحت تمارس الأدوار الاجتماعية التي كانت تؤديها الجاهات في الماضي عندما كانت مؤسسات الدولة غائبة. لا نعلم المسوغات المقنعة لاستمرار الجاهات(على الطالع والنازل) وخصوصا تلك التي يترأسها أصحاب الدولة وحديثا دخل بعض رؤساء وأساتذة الجامعات مسرح الجاهات. كثير مما يمارس في الجاهات يدخل في باب البهرجة والنفاق؛ حيث تصبح الجاهة مجرد منصة لحديث مكرر واسطوانة ممجوجة ويغلب عليه ذغدغة العواطف وشحن التعصب العشائري والقبلي ولي الحقائق أو التغاضي عنها وأحيانا أخرى يتم إهدار حقوق المجني عليهم تحت باب التسامح في الوقت الذي يعيش ذوي المغدور طيلة حياتهم فقراء بسبب ما ارتكب بحق معيلهم الذي تم التسامح بدمه إكراما للجاهة الكريمة. الجاهات العشائرية أصبحت اسلوب حياة حيث أن اللجوء إليها بهذا الشكل المفرط يهمش أهمية الأبعاد القانونية والحقوقية للناس ،كما أنه ينمي سلوكيات نفاقية لدى الناشئة وخصوصا في مجال المصاهرة وخطبة العرايس حيث يكون كل شيء مكتوب ومنتهي ثم تأتي الجاهة ويحجم طالب العروس عن شرب القهوة لريثما يتم قبول طلب المصاهرة !الأكاديميون وأساتذة الجامعات ينبغي أن لا يتزاحموا مع القوى التقليدية في المجتمع لتزعم الجاهات ،وعليهم أن يحققوا مجال نموهم وتقدمهم وبروزهم من خلال الحقول العلمية التي تم إعدادهم عليها فهل من مدكر...
د. أنيس الخصاونة
أصبحت الجاهات وتزعمها تقليدا راسخا في الثقافة الشعبية الأردنية .هذه الجاهات والسعي لتزعمها قد تكون جاهات صلح عشائري أو خطبة عروس أو تسوية لنزاعات مختلفة.بالتأكيد أن هذه الجاهات مستمدة من تاريخ اجتماعي ضارب في القدم وتعود جذوره إلى عصر غياب مؤسسات الدولة التي تتولى حل النزاعات، والقضاء فيما ينشأ من خلافات بين الناس، أو في مجال إبرام عقود الزواج أو غيرها. الملفت هو استمرار لا بل ازدياد إقبال الأردنيين على الجاهات وتزعمها حتى أصبح كل شيء يحتاج إلى جاهة حيث أصبح الزواج يحتاج إلى جاهة، والعطوة العشائرية تحتاج إلى جاهة، والصلح العشائري يحتاج إلى جاهة، وحل الخلاف والتلاسن بين الأفراد يحتاج الى جاهة، وخسارة جولات انتخابية لمجلس النواب تحتاج إلى جاهة، وحوادث السير تحتاج إلى جاهة، ورد الزوجة 'الحردانة' إلى بيت زوجها يحتاج الى جاهة. في الوقت الذي لم يعد يسترعي انتباه الأردنيين تزاحم السياسيين وزراء ورؤساء حكومات حاليين وسابقين على ترأس الجاهات ،حيث أصبح ذلك أمرا اعتياديا ، فإن تزايد وتيرة انغماس وإقبال أكاديميين ورؤساء وأساتذة الجامعات على ارتياد هذا المجال الذي لا ينسجم كثيرا مع المعطيات والخلفيات العلمية والمتطلبات الموضوعية لمهنهم أصبح مقلقا وملفت للانتباه .لا نعلم كيف يمكن لمهندس بارز اشتهر بعلمه واكتشافاته في مجال الجينات والهندسة الوراثية أن يتحول إلى شيخا عشائريا جل اهتمامه هو عقد الصلح أو خطبة العروس ؟ولا نعلم كيف لطبيب نطاسي وجراح بارع في فرع دقيق من فروع الطب البشري أن يتحول لا بل وتتحوصل مهاراته ليصبح زعيم لجاهة عشائرية ؟ ولا نعلم أيضا كيف يتحول بقدرة قادر خبير في الكيمياء العضوية أو الفيزياء النووية ألى رئيس جاهة لطلب يد عروس ؟ الأكاديميون والمؤسسات الأكاديمية التي ينتمون لها يشكلون وكلاء التغيير في مجتمعاتهم وعليهم يقع كاهل إحداث التغيير القيمي وتعديل اتجاهات الناس نحو القضايا المجتمعية، فما الذي يستهوي رؤساء وأساتذة الجامعات في الولوج لباب وميدان يمكن أن يتقنه الكثيرون ممن لا يحملون حتى الشهادة الثانوية أو الإعدادية! هل هو الشعور بالرغبة في النمو والظهور المجتمعي وتلميع الذات؟وإن كان الأمر كذلك لماذا لا يتم تحقيق هذا النمو من خلال مؤسسات التعليم الجامعي نفسها عن طريق البحوث والمشاريع البحثية والتميز الأكاديمي والحصول على براءات الاختراع مثلا؟أم أن المجتمع وتقاليده وتقاليد مؤسساته الرسمية وغير الرسمية لا تثمن مثل هذا النمو المهني والتخصصي سواء في مجال الطب أو الهندسة أو القانون أو الإعلام أو غيرها بقدر ما تكافئ وتعزز الانخراط في الجاهات وتحقيق مكاسب شعبية سريعة تعزز مكانة الأكاديمي في المجتمع!في مثل هذه الحالة يتساءل المرء حول الفارق بين الأكاديمي المتنور المتخصص وبين عامة الناس من غير المتعلمين الذين اختاروا خط التخصص في الجاهات واللهث وراء الزعامة وتعزيز الرصيد الجماهيري والشعبي! مؤسسات الدولة الحديثة أصبحت تؤدي معظم الوظائف الأمنية والقضائية والاجتماعية التي كانت تؤديها الجاهات. المحاكم والدوائر الأمنية والبحث الجنائي والقوانين والأحوال المدنية وشركات التأمين كلها مؤسسات أصبحت تمارس الأدوار الاجتماعية التي كانت تؤديها الجاهات في الماضي عندما كانت مؤسسات الدولة غائبة. لا نعلم المسوغات المقنعة لاستمرار الجاهات(على الطالع والنازل) وخصوصا تلك التي يترأسها أصحاب الدولة وحديثا دخل بعض رؤساء وأساتذة الجامعات مسرح الجاهات. كثير مما يمارس في الجاهات يدخل في باب البهرجة والنفاق؛ حيث تصبح الجاهة مجرد منصة لحديث مكرر واسطوانة ممجوجة ويغلب عليه ذغدغة العواطف وشحن التعصب العشائري والقبلي ولي الحقائق أو التغاضي عنها وأحيانا أخرى يتم إهدار حقوق المجني عليهم تحت باب التسامح في الوقت الذي يعيش ذوي المغدور طيلة حياتهم فقراء بسبب ما ارتكب بحق معيلهم الذي تم التسامح بدمه إكراما للجاهة الكريمة. الجاهات العشائرية أصبحت اسلوب حياة حيث أن اللجوء إليها بهذا الشكل المفرط يهمش أهمية الأبعاد القانونية والحقوقية للناس ،كما أنه ينمي سلوكيات نفاقية لدى الناشئة وخصوصا في مجال المصاهرة وخطبة العرايس حيث يكون كل شيء مكتوب ومنتهي ثم تأتي الجاهة ويحجم طالب العروس عن شرب القهوة لريثما يتم قبول طلب المصاهرة !الأكاديميون وأساتذة الجامعات ينبغي أن لا يتزاحموا مع القوى التقليدية في المجتمع لتزعم الجاهات ،وعليهم أن يحققوا مجال نموهم وتقدمهم وبروزهم من خلال الحقول العلمية التي تم إعدادهم عليها فهل من مدكر...
التعليقات