يقع مستشفى سان جورج، الذي تعمل فيه سهى خلف ضمن فريق التمريض، على بعد أقل من ميل واحد من ميناء بيروت الذي عصف به انفجار هائل خرب قطاعات واسعة من المدينة. تحطم السقف على رأسها وطفرت الدموع في عينيها وانسابت تغطي وجهها، لكنها تماسكت وواصلت مهمتها. تستعيد خلف، نائبة رئيس فريق التمريض بقسم الطواريء في أقدم مستشفيات لبنان، ذكريات ما حدث ذلك اليوم قائلة إن الناس أقبلوا مهرولين على المستشفى وهم يصرخون طالبين قسم الطوارئ. لكن قسم الطوارئ لم يعد له وجود. وتضيف “كيف ما برمت (تحركت) كله موظفين نازلين من الطوابق عم يصرخوا…كفينا شغل نحن، واللي عم ينزف من راسه، ونبكي ونبكي”. تطايرت إبر المحاقن في فضاء القسم وغطى الدم الأرضيات وانطفأت الأنوار. تدفق المئات على المستشفى من مختلف أنحاء العاصمة اللبنانية بعد انفجار المخزن بالميناء في الرابع من أغسطس/ آب، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 170 شخصا وإصابة آلاف وتدمير أحياء بأكملها في العاصمة. وقالت خلف “ظللنا نعمل، حتى عندما كان بعضن منا ينزفون، وبكينا كثيرا”. كانت خلف وزملاؤها يخيطون جروح الضحايا ويضمدون جروحهم على الرصيف خارج جناح الطوارئ. كانوا يوقفون السيارات العابرة لنقل المصابين إلى المستشفيات الأخرى، واعتمدوا على أضواء الهواتف المحمولة عندما حل الظلام. وفي أنحاء بيروت، تحدث الأطباء والممرضون عن ليلة الرعب التي هزت العاملين المخضرمين في القطاع الطبي في مدينة ليست الانفجارات غريبة عليها. كما أدى الانفجار بتداعياته إلى تفاقم المخاوف على منظومة الرعاية الصحية التي وصلت حالة يرثى لها وتكافح لمواجهة وباء فيروس كورونا الذي أصاب أكثر من 7100 منذ فبراير/ شباط توفي منهم 87 شخصا. وتعاني مستشفيات بيروت، التي ظلت طويلا مقصدا للمرضى من أنحاء المنطقة، من وطأة الانهيار المالي في البلاد منذ أواخر العام الماضي. فهناك نقص في كل شيء من إبر المحاقن إلى معدات غسيل الكلى، وتدين الدولة للمستشفيات بمتأخرات تصل إلى ملايين الدولارات. والآن بعد أن تحولت المستشفيات إلى مراكز لعلاج الصدمات ومع الزيادة المستمرة في أعداد المصابين بفيروس كورونا، يطرح بعض العاملين في قطاع الرعاية الصحية السؤال: كيف يمكن للمنظومة مجاراة الضغط؟
“الضربة القاضية”
قالت رونا الحلبي المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في لبنان إن المستشفيات استهلكت في ليلة الانفجار إمدادات طبية تكفي للاستخدام في شهرين. أدى الانفجار، الذي أسفر عن إصابة أكثر من 6000 شخص، إلى تدمير ثلاثة مستشفيات في بيروت وإلحاق أضرار باثنتي عشرة منشأة طبية أخرى. وبعد أيام، تصاعدت الضغوط على المستشفيات مع تدفق مئات الجرحى عليها ممن أصيبوا في الاحتجاجات ضد قادة لبنان. وقالت الحلبي “أقل ما توصف به هذه الأوقات أنها بلا نظير”، محذرة من تنامي الاحتياج للرعاية النفسية بعد أن عانى العشرات من الصدمة. وقالت خلف، التي تعمل في سان جورج منذ 28 عاما، “أنا مارق عليي انفجارات (رأيت انفجارات) ومارق عليي حرب بس متل هيدا اللي شفناه ب 4 الشهر ما شفت”. وقٌتلت أربع ممرضات بالمستشفى في الانفجار. وعلى ارتفاع بضعة طوابق، انهمكت طبيبة في توليد إحدى النساء بينما كان المبنى يهتز.
في اليوم التالي، عادت خلف وصديقاتها للمساعدة في إزالة الأنقاض الناجمة عن الانفجار، الذي وقع حسبما يقول المسؤولون بسبب مواد متفجرة تم تخزينها في ظروف غير آمنة بالميناء.
عندما ضربت الموجة الانفجارية المستشفى الذي يعمل به ناجي أبي راشد، تحطمت جميع المصاعد البالغ عددها 17 مصعدا. واضطر الموظفون لحمل بعض المرضى على درجات السلم لثمانية طوابق. لكنهم لم يستطيعوا إجلاء مرضى جناح كوفيد-19. قال أبي راشد، المدير الطبي في مستشفى الجعيتاوي اللبناني وهو مستشفى لا يهدف للربح، إن الفيروس يمكن أن ينتشر الآن بسرعة أكبر. وبعد أن أصبح ما يقرب من ربع مليون إنسان مشردين بلا مأوى، يزداد الخطر. وسجل لبنان أمس الثلاثاء 300 إصابة جديدة بكوفيد-19 وسبع وفيات. وقال أبي راشد “الانفجار وجه الضربة الأخيرة…الضربة القاضية”. بالرغم من ذلك، وبعد مضي سبعة أيام، وبمساعدة المتطوعين، عاد قسم الطوارئ في مستشفى الجعيتاوي للعمل مرة أخرى. وجرى افتتاح مركز غسيل الكلى، رغم نوافذه المحطمة. وبالنسبة إلى بياتريس كرم، أخصائية أمراض الكلى التي عادت إلى بيروت بعد أن كانت تعيش في الخارج، فقد قضى الأسبوع الماضي على أي أمل في الاستقرار. وقالت إن الكثير من الأصدقاء تولد لديهم نفس الشعور، محذرة من نزوح وشيك للأطباء. وقالت “يبدو كأن انفجارا حدث بداخلي أيضا. لم أعد أشعر بأي شيء، ولا أريد سوى الرحيل”.(رويترز)
يقع مستشفى سان جورج، الذي تعمل فيه سهى خلف ضمن فريق التمريض، على بعد أقل من ميل واحد من ميناء بيروت الذي عصف به انفجار هائل خرب قطاعات واسعة من المدينة. تحطم السقف على رأسها وطفرت الدموع في عينيها وانسابت تغطي وجهها، لكنها تماسكت وواصلت مهمتها. تستعيد خلف، نائبة رئيس فريق التمريض بقسم الطواريء في أقدم مستشفيات لبنان، ذكريات ما حدث ذلك اليوم قائلة إن الناس أقبلوا مهرولين على المستشفى وهم يصرخون طالبين قسم الطوارئ. لكن قسم الطوارئ لم يعد له وجود. وتضيف “كيف ما برمت (تحركت) كله موظفين نازلين من الطوابق عم يصرخوا…كفينا شغل نحن، واللي عم ينزف من راسه، ونبكي ونبكي”. تطايرت إبر المحاقن في فضاء القسم وغطى الدم الأرضيات وانطفأت الأنوار. تدفق المئات على المستشفى من مختلف أنحاء العاصمة اللبنانية بعد انفجار المخزن بالميناء في الرابع من أغسطس/ آب، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 170 شخصا وإصابة آلاف وتدمير أحياء بأكملها في العاصمة. وقالت خلف “ظللنا نعمل، حتى عندما كان بعضن منا ينزفون، وبكينا كثيرا”. كانت خلف وزملاؤها يخيطون جروح الضحايا ويضمدون جروحهم على الرصيف خارج جناح الطوارئ. كانوا يوقفون السيارات العابرة لنقل المصابين إلى المستشفيات الأخرى، واعتمدوا على أضواء الهواتف المحمولة عندما حل الظلام. وفي أنحاء بيروت، تحدث الأطباء والممرضون عن ليلة الرعب التي هزت العاملين المخضرمين في القطاع الطبي في مدينة ليست الانفجارات غريبة عليها. كما أدى الانفجار بتداعياته إلى تفاقم المخاوف على منظومة الرعاية الصحية التي وصلت حالة يرثى لها وتكافح لمواجهة وباء فيروس كورونا الذي أصاب أكثر من 7100 منذ فبراير/ شباط توفي منهم 87 شخصا. وتعاني مستشفيات بيروت، التي ظلت طويلا مقصدا للمرضى من أنحاء المنطقة، من وطأة الانهيار المالي في البلاد منذ أواخر العام الماضي. فهناك نقص في كل شيء من إبر المحاقن إلى معدات غسيل الكلى، وتدين الدولة للمستشفيات بمتأخرات تصل إلى ملايين الدولارات. والآن بعد أن تحولت المستشفيات إلى مراكز لعلاج الصدمات ومع الزيادة المستمرة في أعداد المصابين بفيروس كورونا، يطرح بعض العاملين في قطاع الرعاية الصحية السؤال: كيف يمكن للمنظومة مجاراة الضغط؟
“الضربة القاضية”
قالت رونا الحلبي المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في لبنان إن المستشفيات استهلكت في ليلة الانفجار إمدادات طبية تكفي للاستخدام في شهرين. أدى الانفجار، الذي أسفر عن إصابة أكثر من 6000 شخص، إلى تدمير ثلاثة مستشفيات في بيروت وإلحاق أضرار باثنتي عشرة منشأة طبية أخرى. وبعد أيام، تصاعدت الضغوط على المستشفيات مع تدفق مئات الجرحى عليها ممن أصيبوا في الاحتجاجات ضد قادة لبنان. وقالت الحلبي “أقل ما توصف به هذه الأوقات أنها بلا نظير”، محذرة من تنامي الاحتياج للرعاية النفسية بعد أن عانى العشرات من الصدمة. وقالت خلف، التي تعمل في سان جورج منذ 28 عاما، “أنا مارق عليي انفجارات (رأيت انفجارات) ومارق عليي حرب بس متل هيدا اللي شفناه ب 4 الشهر ما شفت”. وقٌتلت أربع ممرضات بالمستشفى في الانفجار. وعلى ارتفاع بضعة طوابق، انهمكت طبيبة في توليد إحدى النساء بينما كان المبنى يهتز.
في اليوم التالي، عادت خلف وصديقاتها للمساعدة في إزالة الأنقاض الناجمة عن الانفجار، الذي وقع حسبما يقول المسؤولون بسبب مواد متفجرة تم تخزينها في ظروف غير آمنة بالميناء.
عندما ضربت الموجة الانفجارية المستشفى الذي يعمل به ناجي أبي راشد، تحطمت جميع المصاعد البالغ عددها 17 مصعدا. واضطر الموظفون لحمل بعض المرضى على درجات السلم لثمانية طوابق. لكنهم لم يستطيعوا إجلاء مرضى جناح كوفيد-19. قال أبي راشد، المدير الطبي في مستشفى الجعيتاوي اللبناني وهو مستشفى لا يهدف للربح، إن الفيروس يمكن أن ينتشر الآن بسرعة أكبر. وبعد أن أصبح ما يقرب من ربع مليون إنسان مشردين بلا مأوى، يزداد الخطر. وسجل لبنان أمس الثلاثاء 300 إصابة جديدة بكوفيد-19 وسبع وفيات. وقال أبي راشد “الانفجار وجه الضربة الأخيرة…الضربة القاضية”. بالرغم من ذلك، وبعد مضي سبعة أيام، وبمساعدة المتطوعين، عاد قسم الطوارئ في مستشفى الجعيتاوي للعمل مرة أخرى. وجرى افتتاح مركز غسيل الكلى، رغم نوافذه المحطمة. وبالنسبة إلى بياتريس كرم، أخصائية أمراض الكلى التي عادت إلى بيروت بعد أن كانت تعيش في الخارج، فقد قضى الأسبوع الماضي على أي أمل في الاستقرار. وقالت إن الكثير من الأصدقاء تولد لديهم نفس الشعور، محذرة من نزوح وشيك للأطباء. وقالت “يبدو كأن انفجارا حدث بداخلي أيضا. لم أعد أشعر بأي شيء، ولا أريد سوى الرحيل”.(رويترز)
يقع مستشفى سان جورج، الذي تعمل فيه سهى خلف ضمن فريق التمريض، على بعد أقل من ميل واحد من ميناء بيروت الذي عصف به انفجار هائل خرب قطاعات واسعة من المدينة. تحطم السقف على رأسها وطفرت الدموع في عينيها وانسابت تغطي وجهها، لكنها تماسكت وواصلت مهمتها. تستعيد خلف، نائبة رئيس فريق التمريض بقسم الطواريء في أقدم مستشفيات لبنان، ذكريات ما حدث ذلك اليوم قائلة إن الناس أقبلوا مهرولين على المستشفى وهم يصرخون طالبين قسم الطوارئ. لكن قسم الطوارئ لم يعد له وجود. وتضيف “كيف ما برمت (تحركت) كله موظفين نازلين من الطوابق عم يصرخوا…كفينا شغل نحن، واللي عم ينزف من راسه، ونبكي ونبكي”. تطايرت إبر المحاقن في فضاء القسم وغطى الدم الأرضيات وانطفأت الأنوار. تدفق المئات على المستشفى من مختلف أنحاء العاصمة اللبنانية بعد انفجار المخزن بالميناء في الرابع من أغسطس/ آب، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 170 شخصا وإصابة آلاف وتدمير أحياء بأكملها في العاصمة. وقالت خلف “ظللنا نعمل، حتى عندما كان بعضن منا ينزفون، وبكينا كثيرا”. كانت خلف وزملاؤها يخيطون جروح الضحايا ويضمدون جروحهم على الرصيف خارج جناح الطوارئ. كانوا يوقفون السيارات العابرة لنقل المصابين إلى المستشفيات الأخرى، واعتمدوا على أضواء الهواتف المحمولة عندما حل الظلام. وفي أنحاء بيروت، تحدث الأطباء والممرضون عن ليلة الرعب التي هزت العاملين المخضرمين في القطاع الطبي في مدينة ليست الانفجارات غريبة عليها. كما أدى الانفجار بتداعياته إلى تفاقم المخاوف على منظومة الرعاية الصحية التي وصلت حالة يرثى لها وتكافح لمواجهة وباء فيروس كورونا الذي أصاب أكثر من 7100 منذ فبراير/ شباط توفي منهم 87 شخصا. وتعاني مستشفيات بيروت، التي ظلت طويلا مقصدا للمرضى من أنحاء المنطقة، من وطأة الانهيار المالي في البلاد منذ أواخر العام الماضي. فهناك نقص في كل شيء من إبر المحاقن إلى معدات غسيل الكلى، وتدين الدولة للمستشفيات بمتأخرات تصل إلى ملايين الدولارات. والآن بعد أن تحولت المستشفيات إلى مراكز لعلاج الصدمات ومع الزيادة المستمرة في أعداد المصابين بفيروس كورونا، يطرح بعض العاملين في قطاع الرعاية الصحية السؤال: كيف يمكن للمنظومة مجاراة الضغط؟
“الضربة القاضية”
قالت رونا الحلبي المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في لبنان إن المستشفيات استهلكت في ليلة الانفجار إمدادات طبية تكفي للاستخدام في شهرين. أدى الانفجار، الذي أسفر عن إصابة أكثر من 6000 شخص، إلى تدمير ثلاثة مستشفيات في بيروت وإلحاق أضرار باثنتي عشرة منشأة طبية أخرى. وبعد أيام، تصاعدت الضغوط على المستشفيات مع تدفق مئات الجرحى عليها ممن أصيبوا في الاحتجاجات ضد قادة لبنان. وقالت الحلبي “أقل ما توصف به هذه الأوقات أنها بلا نظير”، محذرة من تنامي الاحتياج للرعاية النفسية بعد أن عانى العشرات من الصدمة. وقالت خلف، التي تعمل في سان جورج منذ 28 عاما، “أنا مارق عليي انفجارات (رأيت انفجارات) ومارق عليي حرب بس متل هيدا اللي شفناه ب 4 الشهر ما شفت”. وقٌتلت أربع ممرضات بالمستشفى في الانفجار. وعلى ارتفاع بضعة طوابق، انهمكت طبيبة في توليد إحدى النساء بينما كان المبنى يهتز.
في اليوم التالي، عادت خلف وصديقاتها للمساعدة في إزالة الأنقاض الناجمة عن الانفجار، الذي وقع حسبما يقول المسؤولون بسبب مواد متفجرة تم تخزينها في ظروف غير آمنة بالميناء.
عندما ضربت الموجة الانفجارية المستشفى الذي يعمل به ناجي أبي راشد، تحطمت جميع المصاعد البالغ عددها 17 مصعدا. واضطر الموظفون لحمل بعض المرضى على درجات السلم لثمانية طوابق. لكنهم لم يستطيعوا إجلاء مرضى جناح كوفيد-19. قال أبي راشد، المدير الطبي في مستشفى الجعيتاوي اللبناني وهو مستشفى لا يهدف للربح، إن الفيروس يمكن أن ينتشر الآن بسرعة أكبر. وبعد أن أصبح ما يقرب من ربع مليون إنسان مشردين بلا مأوى، يزداد الخطر. وسجل لبنان أمس الثلاثاء 300 إصابة جديدة بكوفيد-19 وسبع وفيات. وقال أبي راشد “الانفجار وجه الضربة الأخيرة…الضربة القاضية”. بالرغم من ذلك، وبعد مضي سبعة أيام، وبمساعدة المتطوعين، عاد قسم الطوارئ في مستشفى الجعيتاوي للعمل مرة أخرى. وجرى افتتاح مركز غسيل الكلى، رغم نوافذه المحطمة. وبالنسبة إلى بياتريس كرم، أخصائية أمراض الكلى التي عادت إلى بيروت بعد أن كانت تعيش في الخارج، فقد قضى الأسبوع الماضي على أي أمل في الاستقرار. وقالت إن الكثير من الأصدقاء تولد لديهم نفس الشعور، محذرة من نزوح وشيك للأطباء. وقالت “يبدو كأن انفجارا حدث بداخلي أيضا. لم أعد أشعر بأي شيء، ولا أريد سوى الرحيل”.(رويترز)
التعليقات