تتحدث رواية 'هوشيلاجا' لسميح مسعود عن معاناة السكان الأصليين في أميركا الشمالية، وتفاصيل ما عُرّضوا له من مآس وتنكيل على يد الغزاة المستعمرين الذين استوطنوا بلادهم، وجعلوا سكانها الأصليين على هامش الجغرافيا والتاريخ. وتظهر الرواية معالم إحدى الحضارات للسكان الأصليين في مدينة قديمة اسمها 'هوشيلاجا'، محيت من على الخارطة وأقيمت على أنقاضها مدينة مونتريال الحالية في كندا. إذ وُجدت في ذاك الإقليم الذي تنتمي إليه هوشيلاجا حضارة ضاربة في عمق التاريخ، كانت لها منجزاتها المادية والتنظيمية التي تدل على تقدم ذلك المجتمع ورخائه في زمن مبكر من أزمان الحضارة الإنسانية. والرواية الصادرة عن 'الآن ناشرون وموزعون' في عمَان جاءت في 256 صفحة من القطع المتوسط، واختيرت لغلافها لوحة من أعمال الفنان الأميركي جورج كاتلن، وحرص فيها المؤلف على الربط بين قضيته بوصفه فلسطينيًّا هُجّر من أرض آبائه وأجداده، وقضية هؤلاء السكان؛ ذلك أن ملامح الظلم في الحالتين تكاد تكون واحدة. يقول سميح مسعود في وصف المشاعر التي كانت تنتابه أثناء إقامته في مونتريال على أنقاض 'هوشيلاجا' وأمام نهرها العظيم: ' قضيت وقتًا طويلًا من أيامي الأولى في مونتريال، وأنا أزور النهر، أسير على جانبه، وأستعيد ذكرى أهله القدماء مرات إثر مرات، كان السكون يعمّ المكان، ولا أسمع سوى وقع خطواتي، وعندما يحين وقت الراحة كنت أجلس على مقعد خشبي على طرف النهر، بقرب جسر طويل يمتد فوق أمواجه. ذات يوم بينما كنت أجلس على نفس المقعد الخشبي، جاء أحدهم وجلس بجانبي، لم أعره انتباهًا، شغلت نفسي بالنظر إلى غمامة كانت تمرّ فوق الجسر المعلق أمامي، تستند تارة على بعض أطرافه ثم تبتعد عنه في سرعة فائقة، وتعود إليه ثانية كأنها تداعبه وترتخي لرغباته'. ويسرد على لسان بطل الرواية مارفن كثيرًا من عبارات الشوق والحنين إلى تراث أجداده الذين تعرضوا إلى ما تعرض له الفلسطينيون من ظلم فادح: 'أخذ الشخص الجالس بجانبي يغني بكلمات لم أفهمها، وفي لحظة توقف عن الغناء ثم أخبرني أنه يغني بلغة أجداده من شعب الموهاك أصحاب النهر القدماء، عندما تم اكتشافهم أطلقوا عليهم اسم 'الهنود الحمر' بمدلولات دونية واضحة، وبعد أن أباد المكتشف الأوروبي أجدادنا واحتل أرضنا أطلق على من بقي منّا اسم 'السكان الأصليين' ... حشرونا في محميات، لا نملك فيها سوى مساحة ضيقة من الأرض، وما زلنا نتخبط فيها في خضم حياتنا المغلقة. بعدها قدم نفسه لي باسم مارفن جونر، قدّمت له اسمي ولمحات موجزة عن مأساة بلدي، التمعت عيناه قائلًا: 'مأساتنا واحدة، ثمة ترابط وثيق ما بين الذي عاشه أجدادي في الماضي قبل إبادتهم، وما تعيشونه في الزمن الراهن من أيام عصيبة يسببها المحتل البغيض في فلسطين، ويدرك كلّ الذين تبقوا من شعبي حقيقة أيامكم المخضبة بالدماء.' تكررت لقاءاتي بمارفن وسرعان ما أصبحنا أصدقاء، عرفني على أماكن كثيرة في مونتريال، صعدت معه إلى قمة الجبل الملكي، كان يذكرني دومًا أنَّ كلَّ ذرة تراب في مونتريال من أملاكهم، وحتى الطيور التي كنا نسمعها وهي تزقزق فوق الأشجار من أملاكهم، وفي ليلة مقمرة كنّا نسير فيها في المدينة القديمة بيّن لي أن لمعان ضوء القمر وانعكاساته على اتساع المكان من أملاك أجداده، أفكاره هذه تعكس صلته الدائمة بمأساة شعبه، وتترك أثر ألم في أعماقه غير قابل للشفاء. كنت أتقن السماع إليه، لأنَّني أحسّ بمأساته وأشعر بنفس شعوره اتجاه بلدي المحتل، المغموس بالآلام منذ سنوات طويلة، جاءه أناس غرباء من أمكنة كثيرة، حكّامهم يتقنون زراعة الموت في عجلة دائمة الدوران، يختالون في تغييرهم مسار كلّ شيء، ويضبطون وقتهم على سرقة الأرض والماء والسماء والهواء والشجر. شدة انفعالي لأحوال بلدي تخنقني، وقلت مرارًا لصديقي مارفن: 'مصائبنا واحدة'. كنا نواصل الحديث دوما عن مصائبنا التي تتشابك خيوطها في مجالات كثيرة وتُعبّر في جوهرها عن ظلم الإنسان للإنسان. كان يقول لي في جلساتنا: 'أخشى أن يلقى شعبك في زماننا الراهن نفس مصير شعبي الذي لقيه في الزمن الماضي.' وتضمنت الرواية تفاصيل رحلة شارك فيها الكاتب أصدقاءه على متن قارب يعود لأحدهم في نهر سان لوران، من التقائه بنهر أوتاوا حتى مصبه في المحيط الأطلسي. وتعرف فيها القراء على تاريخ مدينتي مونتريال وكيبيك اللتين بنيتا في مكان قريتين قديمتين للسكان الأصليين، وفي هذا الاستكشاف يبرز كثير من ألم السكان الأصليين، وهو ما يتسرب للقارئ الذي تُستفز مشاعره الإنسانية حين يكتشف تفاصيل تلك للمرحلة. كما أبرزت الرواية جوانب تاريخية مهمة واكبت المراحل الأولى للقاء السكان الأصليين بالمستعمرين، وكيف تبدلت الأحوال من وفاق ووئام إلى حرب واستئصال. وسميح مسعود شاعر وكاتب، وُلد في حيفا عام 1938، ثم هُجّر مع عائلته عام 1948 إلى بُرقة التي تنحدر منها عائلته، وبعد أن أنهى دراسته الثانوية؛ درس في جامعتي سراييفو وبلغراد في يوغوسلافيا، وحصل في عام 1967 على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة بلغراد. عمل مستشارًا اقتصاديًّا في ثلاث مؤسسات إقليمية عربية، تتخذ من الكويت مقرًا لها. انتُخب في عام 1990 رئيسًا للاتحاد العام للاقتصاديين الفلسطينيين- فرع الكويت. وهو عضو رابطة الكتاب الأردنيين، وعضو الاتحاد العام للكتّاب والأدباء العرب. يعمل مديرًا للمركز الكندي لدراسات الشرق الأوسط في مونتريال/ كندا، ورئيسًا للصالون الثقافي الأندلسي في مونتريال التابع للمركز نفسه. صدر له تسعة وثلاثون كتابًا في مجالات الشعر والأدب، وعشرون كتابا في الاقتصاد باللغتين العربية والإنجليزية.
تتحدث رواية 'هوشيلاجا' لسميح مسعود عن معاناة السكان الأصليين في أميركا الشمالية، وتفاصيل ما عُرّضوا له من مآس وتنكيل على يد الغزاة المستعمرين الذين استوطنوا بلادهم، وجعلوا سكانها الأصليين على هامش الجغرافيا والتاريخ. وتظهر الرواية معالم إحدى الحضارات للسكان الأصليين في مدينة قديمة اسمها 'هوشيلاجا'، محيت من على الخارطة وأقيمت على أنقاضها مدينة مونتريال الحالية في كندا. إذ وُجدت في ذاك الإقليم الذي تنتمي إليه هوشيلاجا حضارة ضاربة في عمق التاريخ، كانت لها منجزاتها المادية والتنظيمية التي تدل على تقدم ذلك المجتمع ورخائه في زمن مبكر من أزمان الحضارة الإنسانية. والرواية الصادرة عن 'الآن ناشرون وموزعون' في عمَان جاءت في 256 صفحة من القطع المتوسط، واختيرت لغلافها لوحة من أعمال الفنان الأميركي جورج كاتلن، وحرص فيها المؤلف على الربط بين قضيته بوصفه فلسطينيًّا هُجّر من أرض آبائه وأجداده، وقضية هؤلاء السكان؛ ذلك أن ملامح الظلم في الحالتين تكاد تكون واحدة. يقول سميح مسعود في وصف المشاعر التي كانت تنتابه أثناء إقامته في مونتريال على أنقاض 'هوشيلاجا' وأمام نهرها العظيم: ' قضيت وقتًا طويلًا من أيامي الأولى في مونتريال، وأنا أزور النهر، أسير على جانبه، وأستعيد ذكرى أهله القدماء مرات إثر مرات، كان السكون يعمّ المكان، ولا أسمع سوى وقع خطواتي، وعندما يحين وقت الراحة كنت أجلس على مقعد خشبي على طرف النهر، بقرب جسر طويل يمتد فوق أمواجه. ذات يوم بينما كنت أجلس على نفس المقعد الخشبي، جاء أحدهم وجلس بجانبي، لم أعره انتباهًا، شغلت نفسي بالنظر إلى غمامة كانت تمرّ فوق الجسر المعلق أمامي، تستند تارة على بعض أطرافه ثم تبتعد عنه في سرعة فائقة، وتعود إليه ثانية كأنها تداعبه وترتخي لرغباته'. ويسرد على لسان بطل الرواية مارفن كثيرًا من عبارات الشوق والحنين إلى تراث أجداده الذين تعرضوا إلى ما تعرض له الفلسطينيون من ظلم فادح: 'أخذ الشخص الجالس بجانبي يغني بكلمات لم أفهمها، وفي لحظة توقف عن الغناء ثم أخبرني أنه يغني بلغة أجداده من شعب الموهاك أصحاب النهر القدماء، عندما تم اكتشافهم أطلقوا عليهم اسم 'الهنود الحمر' بمدلولات دونية واضحة، وبعد أن أباد المكتشف الأوروبي أجدادنا واحتل أرضنا أطلق على من بقي منّا اسم 'السكان الأصليين' ... حشرونا في محميات، لا نملك فيها سوى مساحة ضيقة من الأرض، وما زلنا نتخبط فيها في خضم حياتنا المغلقة. بعدها قدم نفسه لي باسم مارفن جونر، قدّمت له اسمي ولمحات موجزة عن مأساة بلدي، التمعت عيناه قائلًا: 'مأساتنا واحدة، ثمة ترابط وثيق ما بين الذي عاشه أجدادي في الماضي قبل إبادتهم، وما تعيشونه في الزمن الراهن من أيام عصيبة يسببها المحتل البغيض في فلسطين، ويدرك كلّ الذين تبقوا من شعبي حقيقة أيامكم المخضبة بالدماء.' تكررت لقاءاتي بمارفن وسرعان ما أصبحنا أصدقاء، عرفني على أماكن كثيرة في مونتريال، صعدت معه إلى قمة الجبل الملكي، كان يذكرني دومًا أنَّ كلَّ ذرة تراب في مونتريال من أملاكهم، وحتى الطيور التي كنا نسمعها وهي تزقزق فوق الأشجار من أملاكهم، وفي ليلة مقمرة كنّا نسير فيها في المدينة القديمة بيّن لي أن لمعان ضوء القمر وانعكاساته على اتساع المكان من أملاك أجداده، أفكاره هذه تعكس صلته الدائمة بمأساة شعبه، وتترك أثر ألم في أعماقه غير قابل للشفاء. كنت أتقن السماع إليه، لأنَّني أحسّ بمأساته وأشعر بنفس شعوره اتجاه بلدي المحتل، المغموس بالآلام منذ سنوات طويلة، جاءه أناس غرباء من أمكنة كثيرة، حكّامهم يتقنون زراعة الموت في عجلة دائمة الدوران، يختالون في تغييرهم مسار كلّ شيء، ويضبطون وقتهم على سرقة الأرض والماء والسماء والهواء والشجر. شدة انفعالي لأحوال بلدي تخنقني، وقلت مرارًا لصديقي مارفن: 'مصائبنا واحدة'. كنا نواصل الحديث دوما عن مصائبنا التي تتشابك خيوطها في مجالات كثيرة وتُعبّر في جوهرها عن ظلم الإنسان للإنسان. كان يقول لي في جلساتنا: 'أخشى أن يلقى شعبك في زماننا الراهن نفس مصير شعبي الذي لقيه في الزمن الماضي.' وتضمنت الرواية تفاصيل رحلة شارك فيها الكاتب أصدقاءه على متن قارب يعود لأحدهم في نهر سان لوران، من التقائه بنهر أوتاوا حتى مصبه في المحيط الأطلسي. وتعرف فيها القراء على تاريخ مدينتي مونتريال وكيبيك اللتين بنيتا في مكان قريتين قديمتين للسكان الأصليين، وفي هذا الاستكشاف يبرز كثير من ألم السكان الأصليين، وهو ما يتسرب للقارئ الذي تُستفز مشاعره الإنسانية حين يكتشف تفاصيل تلك للمرحلة. كما أبرزت الرواية جوانب تاريخية مهمة واكبت المراحل الأولى للقاء السكان الأصليين بالمستعمرين، وكيف تبدلت الأحوال من وفاق ووئام إلى حرب واستئصال. وسميح مسعود شاعر وكاتب، وُلد في حيفا عام 1938، ثم هُجّر مع عائلته عام 1948 إلى بُرقة التي تنحدر منها عائلته، وبعد أن أنهى دراسته الثانوية؛ درس في جامعتي سراييفو وبلغراد في يوغوسلافيا، وحصل في عام 1967 على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة بلغراد. عمل مستشارًا اقتصاديًّا في ثلاث مؤسسات إقليمية عربية، تتخذ من الكويت مقرًا لها. انتُخب في عام 1990 رئيسًا للاتحاد العام للاقتصاديين الفلسطينيين- فرع الكويت. وهو عضو رابطة الكتاب الأردنيين، وعضو الاتحاد العام للكتّاب والأدباء العرب. يعمل مديرًا للمركز الكندي لدراسات الشرق الأوسط في مونتريال/ كندا، ورئيسًا للصالون الثقافي الأندلسي في مونتريال التابع للمركز نفسه. صدر له تسعة وثلاثون كتابًا في مجالات الشعر والأدب، وعشرون كتابا في الاقتصاد باللغتين العربية والإنجليزية.
تتحدث رواية 'هوشيلاجا' لسميح مسعود عن معاناة السكان الأصليين في أميركا الشمالية، وتفاصيل ما عُرّضوا له من مآس وتنكيل على يد الغزاة المستعمرين الذين استوطنوا بلادهم، وجعلوا سكانها الأصليين على هامش الجغرافيا والتاريخ. وتظهر الرواية معالم إحدى الحضارات للسكان الأصليين في مدينة قديمة اسمها 'هوشيلاجا'، محيت من على الخارطة وأقيمت على أنقاضها مدينة مونتريال الحالية في كندا. إذ وُجدت في ذاك الإقليم الذي تنتمي إليه هوشيلاجا حضارة ضاربة في عمق التاريخ، كانت لها منجزاتها المادية والتنظيمية التي تدل على تقدم ذلك المجتمع ورخائه في زمن مبكر من أزمان الحضارة الإنسانية. والرواية الصادرة عن 'الآن ناشرون وموزعون' في عمَان جاءت في 256 صفحة من القطع المتوسط، واختيرت لغلافها لوحة من أعمال الفنان الأميركي جورج كاتلن، وحرص فيها المؤلف على الربط بين قضيته بوصفه فلسطينيًّا هُجّر من أرض آبائه وأجداده، وقضية هؤلاء السكان؛ ذلك أن ملامح الظلم في الحالتين تكاد تكون واحدة. يقول سميح مسعود في وصف المشاعر التي كانت تنتابه أثناء إقامته في مونتريال على أنقاض 'هوشيلاجا' وأمام نهرها العظيم: ' قضيت وقتًا طويلًا من أيامي الأولى في مونتريال، وأنا أزور النهر، أسير على جانبه، وأستعيد ذكرى أهله القدماء مرات إثر مرات، كان السكون يعمّ المكان، ولا أسمع سوى وقع خطواتي، وعندما يحين وقت الراحة كنت أجلس على مقعد خشبي على طرف النهر، بقرب جسر طويل يمتد فوق أمواجه. ذات يوم بينما كنت أجلس على نفس المقعد الخشبي، جاء أحدهم وجلس بجانبي، لم أعره انتباهًا، شغلت نفسي بالنظر إلى غمامة كانت تمرّ فوق الجسر المعلق أمامي، تستند تارة على بعض أطرافه ثم تبتعد عنه في سرعة فائقة، وتعود إليه ثانية كأنها تداعبه وترتخي لرغباته'. ويسرد على لسان بطل الرواية مارفن كثيرًا من عبارات الشوق والحنين إلى تراث أجداده الذين تعرضوا إلى ما تعرض له الفلسطينيون من ظلم فادح: 'أخذ الشخص الجالس بجانبي يغني بكلمات لم أفهمها، وفي لحظة توقف عن الغناء ثم أخبرني أنه يغني بلغة أجداده من شعب الموهاك أصحاب النهر القدماء، عندما تم اكتشافهم أطلقوا عليهم اسم 'الهنود الحمر' بمدلولات دونية واضحة، وبعد أن أباد المكتشف الأوروبي أجدادنا واحتل أرضنا أطلق على من بقي منّا اسم 'السكان الأصليين' ... حشرونا في محميات، لا نملك فيها سوى مساحة ضيقة من الأرض، وما زلنا نتخبط فيها في خضم حياتنا المغلقة. بعدها قدم نفسه لي باسم مارفن جونر، قدّمت له اسمي ولمحات موجزة عن مأساة بلدي، التمعت عيناه قائلًا: 'مأساتنا واحدة، ثمة ترابط وثيق ما بين الذي عاشه أجدادي في الماضي قبل إبادتهم، وما تعيشونه في الزمن الراهن من أيام عصيبة يسببها المحتل البغيض في فلسطين، ويدرك كلّ الذين تبقوا من شعبي حقيقة أيامكم المخضبة بالدماء.' تكررت لقاءاتي بمارفن وسرعان ما أصبحنا أصدقاء، عرفني على أماكن كثيرة في مونتريال، صعدت معه إلى قمة الجبل الملكي، كان يذكرني دومًا أنَّ كلَّ ذرة تراب في مونتريال من أملاكهم، وحتى الطيور التي كنا نسمعها وهي تزقزق فوق الأشجار من أملاكهم، وفي ليلة مقمرة كنّا نسير فيها في المدينة القديمة بيّن لي أن لمعان ضوء القمر وانعكاساته على اتساع المكان من أملاك أجداده، أفكاره هذه تعكس صلته الدائمة بمأساة شعبه، وتترك أثر ألم في أعماقه غير قابل للشفاء. كنت أتقن السماع إليه، لأنَّني أحسّ بمأساته وأشعر بنفس شعوره اتجاه بلدي المحتل، المغموس بالآلام منذ سنوات طويلة، جاءه أناس غرباء من أمكنة كثيرة، حكّامهم يتقنون زراعة الموت في عجلة دائمة الدوران، يختالون في تغييرهم مسار كلّ شيء، ويضبطون وقتهم على سرقة الأرض والماء والسماء والهواء والشجر. شدة انفعالي لأحوال بلدي تخنقني، وقلت مرارًا لصديقي مارفن: 'مصائبنا واحدة'. كنا نواصل الحديث دوما عن مصائبنا التي تتشابك خيوطها في مجالات كثيرة وتُعبّر في جوهرها عن ظلم الإنسان للإنسان. كان يقول لي في جلساتنا: 'أخشى أن يلقى شعبك في زماننا الراهن نفس مصير شعبي الذي لقيه في الزمن الماضي.' وتضمنت الرواية تفاصيل رحلة شارك فيها الكاتب أصدقاءه على متن قارب يعود لأحدهم في نهر سان لوران، من التقائه بنهر أوتاوا حتى مصبه في المحيط الأطلسي. وتعرف فيها القراء على تاريخ مدينتي مونتريال وكيبيك اللتين بنيتا في مكان قريتين قديمتين للسكان الأصليين، وفي هذا الاستكشاف يبرز كثير من ألم السكان الأصليين، وهو ما يتسرب للقارئ الذي تُستفز مشاعره الإنسانية حين يكتشف تفاصيل تلك للمرحلة. كما أبرزت الرواية جوانب تاريخية مهمة واكبت المراحل الأولى للقاء السكان الأصليين بالمستعمرين، وكيف تبدلت الأحوال من وفاق ووئام إلى حرب واستئصال. وسميح مسعود شاعر وكاتب، وُلد في حيفا عام 1938، ثم هُجّر مع عائلته عام 1948 إلى بُرقة التي تنحدر منها عائلته، وبعد أن أنهى دراسته الثانوية؛ درس في جامعتي سراييفو وبلغراد في يوغوسلافيا، وحصل في عام 1967 على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة بلغراد. عمل مستشارًا اقتصاديًّا في ثلاث مؤسسات إقليمية عربية، تتخذ من الكويت مقرًا لها. انتُخب في عام 1990 رئيسًا للاتحاد العام للاقتصاديين الفلسطينيين- فرع الكويت. وهو عضو رابطة الكتاب الأردنيين، وعضو الاتحاد العام للكتّاب والأدباء العرب. يعمل مديرًا للمركز الكندي لدراسات الشرق الأوسط في مونتريال/ كندا، ورئيسًا للصالون الثقافي الأندلسي في مونتريال التابع للمركز نفسه. صدر له تسعة وثلاثون كتابًا في مجالات الشعر والأدب، وعشرون كتابا في الاقتصاد باللغتين العربية والإنجليزية.
التعليقات
"هوشيلاجا" لسميح مسعود، رواية في الظلم العابر للشعوب
التعليقات